مع شاي الصباح

مع شاي الصباح (تقهقرنا المُحَيِّر!)

أحمد سالم ولد باب

تقهقرنا المُحَيِّر!

قلتُ، في مقال سابق من هذه الصباحيات، إن السُّنَنَ الكونيةَ تُخْرَقُ عندنا؛ فالبداياتُ تكون عادة ضعيفةً، ثم لا تزال تنمو ويَشْتَدُّ عودُها حتى تستويَ على سُوقِهَا، أما عندنا فتبدأ قويةً ثم لا تزال تَذْوِي حتى يَجِفَّ عُودُها.

لدي أكثرُ من دليل على ما أقول، لكنني أكتفي بأحدث مثال، وهو المعهد العالي للتعليم التكنولوجي بروصو ISET، الذي شكا طلابُه اليوم، في احتجاج نظموه أمام إدارته، مِن “نَقْصٍ حاد في الأساتذة والمدرسين، وضعف كبير في تأهيل المختبرات، حيث لا يتوفر أكثرها على الأدوات الضرورية لاستخدامها، والمستلزمات الضرورية لإجراء الحصص الدراسية؛ كأدوات العَرْض، وأجهزة الكمبيوتر، والإضاءة!”، على حد تعبير المتحدث باسم الطلاب.

وهذه نواقص ليست من قبيل الكماليات، بل من الضروريات التي لا تستقيم الدراسة بدونها..

ويبدو أن المعهد بهذا النقص انضم للخرائب التي نسميها كلياتٍ ومعاهد، بعد أن بدأ بدايةً بعثت الأمل في حصولنا على معهد جامعي يستوفي الشروط المتعارف عليها دوليا.

زرته قبل سنوات، أيام ازدهاره، وكتبت عنه ما يلي:

حين تلج من بوابة المعهد؛ تكتشف أنه جنة صغيرة بُنِيَتْ على عدة كيلومترات مُرَبَّعَة، وتفاجئك مناظر طبيعية في غاية الروعة، تجعلك تشك أنك في موريتانيا!

وَرِثَ المعهد مبانيه، التي تم إنشاؤها في بداية الخمسينيات، عن المستعمر الفرنسي، وحين تراها الآن في وضع جيد؛ فإنك لا تملك إلا الغيظ والأسف وأنت تتذكر مبانيَ متناثرة في أرجاء الوطن، تريد أن تَنْقَضَّ، ولَمَّا يَمُرَّ عليها بعدُ عِقْدٌ من الزمن، والفرق يكمن فقط في أن مَن تولى بناءَ هذه مقاولون “وطنيون”!

وخلافا لِطلاب التعليم الجامعي لدينا؛ فَطَلَبَةُ ISET روصو يجلبون مادةَ مذكراتِ تخرجهم من المخابر لا من بطون الكتب، ولأنهم أثبتوا جدارتهم في هذا الصدد؛ فقد حصلت إحدى دفعاته على عقود عمل مع إحدى شِرْكات الألبان قبل تخرجها بأشهر!

وقد تجاوز إشعاع المعهد، إذ ذاك، منطقةَ روصو إلى الولايات المجاورة، فمن خلال أقسامه الخمسة: (وقاية النباتات، صحة الحيوانات، الصناعات الغذائية، الهندسة الميكانيكية، النظم البيئية) استطاع المعهد أن يقدم خدمات واستشارات زراعية ورعوية وبيئية لكل مَن طلبها.

وقَطَعَ قسم الصناعات الغذائية أشواطا مهمة في إعداد الياورات، والحليب المبستر، والجبنة، والزبدة، والمربى، والعصائر، ومعالجة الخضروات والفواكه، وتعليب اللحوم، بل إن المعهدَ وَقَّعَ عَقْدًا مع إحدى شِرْكات الألبان المحلية، وَفَّرَ لها من خلاله كميات من الياور والأجبان ومنتجات الألبان، وقد استطاعت عائدات هذا العَقْدِ – حينها – تغطيةَ رواتب الأساتذة المتعاقدين ومنح الطلاب!

وقد كان ISET روصو أولَ مؤسسة جامعية وطنية تسجل براءة اختراع لدى الجهات المختصة في الخارج، حيث سَجَّلَ في الفترة ما بين 2011 و2015 براءةَ “اختراعِ فَحْمٍ صديق للبيئة”!

وبهذا الاختراع ضرب المعهد عصفورين بحجر واحد، فهو لم يُنْتِجْ فحما صديقا للبيئة فحسب، بل اكتشف أيضا سبيلا للحد من أضرار نبتة “تيفا” (يُورْ) على النباتات الأخرى وعلى التوازن البيئي.

كانت زيارتي للمعهد قبل خمس سنوات أو ست، ولم يُخْفِ عني الأساتذةُ حينها قَلَقَهم من أن المعهد بدأ رحلةَ الانحدار، ويبدو أن ما كانوا يَخْشَوْنَهُ وقع أخيرا!

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى