مع شاي الصباح

مع شاي الصباح (أَقِلّوا عَلَيهِم اللَّوم!)

أحمد سالم ولد باب

تَذْكرُ كتب الأدب – في قصة طويلة – أن الربيع بن زياد العبسي غَلَبَ العامريين على النعمان بن المنذر، وانفرد به دونهم، وكان إذا خلا بالنعمان طعن فيهم وذكر معايبهم، فغدا العامريون يوما بِلَبِيدٍ الشاعرِ معهم على النعمان، فوجدوه يتغدى مع الربيع، فقال لَبِيدٌ مخاطبا النعمان:

مهلا أَبَيْتَ اللَّعن لا تأكل مَعَهْ * إِنَّ اسْتَهُ مِنْ بَرَصٍ مُلَمَّعَهْ

وإنه يُدخل فيها إِصْبعه * يدخلها حتى يواري أَشْجَعَهْ

كأنما يطلب شيئا ضَيَّعَهْ

فرفع النعمان يده من الطعام قائلا: خبثت علي طعامي!

فقال الربيع: كذب ابن اللئيم.

لكن النعمان حجب الربيعَ، وتنكر له، وسقطت منزلته عنده، ورغم أن الربيع ألح على النعمان أن يستكشف صدق ما قاله لبيد، إلا أنه أبى قائلا:

قد قيل ما قيل إن صدقا وإن كذبا * فما اعتذارك من قول إذا قيلا؟

تذكرت هذه القصة وأنا أرى ما طفحت به صفحات “الفيسبوك” من اتهامٍ لجمعيات العمل الخيري، التي شهد لها الثقات بالنزاهة، ووقف الجميع على بذلها وعطائها، ولم أعد أشك في أن مطلقي الشائعات، في “الفيسبوك”، جعلوا هذه القصة دستورا لهم، وعلموا أن بَثَّ الشائعة – ولو كانت كاذبةً – كفيلٌ بتَغيير النفوس، وتَسْرِيبِ الشك إليها!

ولأن العوامَّ وأنصافَ المتعلمين هم جمهور وسائل التواصل الاجتماعي؛ فهم يتأثرون بالتخييل أكثر من تأثرهم بالحقائق العلمية، لأن العاطفة أغلب عليهم من التبصر وإعمال العقل، وقد عُدَّ الشعر قديما من التخييل الذي لا غَنَاء له في العلوم، ورغم ذلك فقد كان له تأثيرٌ خطير، فهو يُبَغِّضُ المحبوبَ ويُحَبِّبُ المبغوض، وقد حَلَّتْ “تدويناتُ الفيسبوك” اليومَ محله في التأثير على الرأي العام، حتى ولو كان محتواها أبعد شيء عن الصدق.

كنت في السابق من المؤمنين بالمقالة السائرة: “لا دخان من غير نار”، لكنني كنت محظوظا بالاطلاع على الحقائق الكاملة لشائعاتٍ أُطلقت في “الفيسبوك”، أوقفتني على أن الدخان قد يرتفع في “الفيسبوك” كثيرا من غير أن يكون صادرا عن نار!

ويذكر القراءُ أن انواكشوط ارتجفت رعبا أكثر من مرة، وهي تسمع عن جرائمِ اختطافٍ واغتصاب، تبين لاحقا أنها مجردُ شائعات لا مستند لها.

إن المؤسسيةَ، التي عرفها العمل الخيري في الأعوام الأخيرة، جديرةٌ بزيادة الثقة به وبأهله، فقد أصبح لِجُلِّ هيئاته جمعياتٌ منتخبة، ترسم برامجها وخططها.

ولا يملك المرء إلا الإعجاب والتقدير حين يرى ما يبذله فتيان هذه الجمعيات وفتياتها من جهد وتضحية في رمضان وفي غير رمضان، ومَن لم يشاركهم هذا الجهد – مثلي – فَحَرِيٌّ به أن يَكُفَّ عنهم لسانه إن لم ينشد فيهم:

أَقِلّوا عَلَيهِم لا أَبا لِأَبيكُمُ * مِنَ اللَّومِ أَو سُدّوا الْمَكانَ الَّذي سَدُّوا

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى