مع شاي الصباح

مع شاي الصباح (جالياتنا في الخارج)

أحمد سالم ولد باب

حدثني صديق، أقام طويلا في إحدى الدول العربية المجاورة، أن الشاب عندهم إذا شعر بظلم الدولة رفع أصبعه مهدِّدًا: لَأَصْعَدَنَّ إلى الجبل! يقصد بذلك الالتحاقَ بالجماعات المتطرفة التي يتحصّن أفرادُها في أعالي الجبال، وما أكثر من جَرَّتْهُمْ إليها بالعزف على وتر الظلم والتهميش والإقصاء.

أجبته أن نظيرَ هذه العبارة موجود عند شبابنا، وهو: لَأُهَاجِرَنَّ! وربما زاد بعضهم: عن هذه الأرض الملعونة!

والواقع أن شبابنا يهاجرون ساخطين، ثم لا يجدون في مَهَاجِرِهِمْ ما يرضيهم على بلادهم من اعتناء سفاراتها بشؤونهم أو تفقدها لأحوالهم، ولعلهم يرون من احترام كرامة المواطن والاهتمام بشأنه، في الدول التي يهاجرون إليها، ما يزيدهم نفورا من حكوماتهم.

في تسجيل من أرشيف الإذاعة الوطنية، انتشر قبل فترة على وسائط التواصل الاجتماعي، يتحدث وزير موريتاني في الأعوام الأخيرة من الخمسينيات، أو الأولى من الستينيات، عن جولة قام بها لتفقد أحوال مواطنيه في بعض الدول الإفريقية، ونسمعه في التسجيل وهو يصرح بأن أحوال الجاليات التي زارها بخير، وأنه لم يصادف غير مريض أو كسير واحد، جلبه معه إلى البلاد!

افْتُقِدَتْ هذه الدبلوماسية منذ عقود كثيرة، ولم يبق في أذهان الناس من علائق الدولة بمواطنيها في الخارج سوى تلك العبارة السَّمْجَة، التي رُقِمَتْ فترةً طويلة على الغلاف الداخلي لجواز السفر الموريتاني: “… إذ أن سفاراتنا في الخارج لا تستطيع تحمل نفقات إرجاعه إلى البلاد”!

لا أذكر أنني صادفت مهاجرا موريتانيا راضيا عن حكومته، بل وجدت أكثرهم لا يعرف مقر سفارة بلاده في المهجر، ورأيت أنه منذ سُمِحَ للجاليات بالتصويت في الانتخابات والنتائجُ القادمة من مكاتبها تَنِمُّ عن غضب على الحكومات المتتابعة.

وليس استصراخُهم للحكومة من حين لآخر دليلَ ثقةٍ فيها، بل هو آيةٌ على قلة حيلتهم، وتَقَطُّعِ السُّبُلِ بهم، والغريق قد يتعلق بِقَشَّةٍ كما يقال!

اتصل بي ذات مرة صديقُ دراسةٍ، ينتمي إلى دولة آسيوية، أقامت للتو علاقةً دبلوماسية مع موريتانيا، وكان عضوا في بعثة بلاده التي تمثلها في دول عدة من شمال إفريقيا، منها بلادنا.

طلب مني أن أزوره في الفندق الذي يقيم فيه، لنلتقي بعد فرقة دهر، ونَصِلَ من صداقتنا ما قطعته سنوات الفراق بعد أيام الدراسة، فلما زرته دعوته إلى البيت وألححت عليه، لكنه اعتذر بأن برنامجه مشحون ووقته ضيق، ولم يكن هذا البرنامج إلا تَفَقُّدًا لأحوال بعض مواطنيه المقيمين في موريتانيا: مواطنتين متزوجتين من موريتانيين، وموظفون في شركة تابعة لتازيازت، وطلبة يدرسون بإحدى المحاظر بالداخل!

فلما رآني مندهشا مستغربا قال لي: هذا واجبنا!

فأجبت مُؤَمِّنًا: نعم، هذا واجبكم!

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى