مع شاي الصباح

أخلاق الكاميرا!

أحمد سالم ولد باب

قرأت أغلب أعمال الأديب اللبناني المشهور جبران خليل جبران وأنا فتى يافع، وقد نشأتُ مسحورا بأدبه، مفتونا بأسلوبه.

وفي المرحلة الجامعية اطَّلَعْتُ على دراساتٍ تحدثت عنه، فَبَدَا لي أَنّ الرجل كان يستر بِفَنِّهِ الجميل عوراتٍ خُلُقية خسيسة، منها: السُّكْرُ، والكذب، وابتزاز النساء اللاتي أوقعهن سوء الحظ في حُبِّه!

حَطَّ ذلك من قَدْرِ جبران عندي، ولم تستطع نظرية “موت المؤلف” أن تعيد إِلَيَّ الشَّغَفَ القديمَ بما كتبه، وقد حَزَّ ذلك في نفسي، حتى تمنيت أنني لم أَطّلِعْ على تلك المثالب لِأَسْتَبْقِيَ متعةَ قراءته.

وفي سنوات لاحقة؛ شعرت بالتَّقَزُّزِ من قراءة السيرة الذاتية “الخبز الحافي” للروائي المغربي “محمد شكري”، التي كشف فيها سَوْءَاتِهِ وسوءاتِ الأقربين دون استئذانهم.

لم أشعر بهذا النفور تجاه أعمال أدبية أخرى تُصَنَّفُ في خانة الأدب الإباحي والإيروسي، لأن القارئ يستحضر بُعْدَهَا الخيالي، ما دام الكاتب لا يتحدث فيها عن نفسه؛ فالشعراء (يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ)، وهو هنا لا يجد صعوبةً في قبول نظرية “فصل الفن عن الأخلاق”، كما يجدها في حالة جبران وشكري.

تَتَتَرَّسُ كثيرٌ من الشخصيات العامة خلف قناعٍ زائف من الفضائل لئلا تفقد مكانتها عند الناس، وقد أنتج عصرُ وسائل التواصل الاجتماعي والعدسات الْمُشْرَعَة ما يمكن تسميته “أخلاق الكاميرا”، فتجد المسؤولَ – إذا واجهته العدساتُ – خافضَ الجناح، متواضعًا، سريعَ الدَّمْعَةِ، فإذا اسْتَدْبَرَتْهُ العدسات خلع ثوب الحَمَل الوديع، ولبس جِلْدَ النّمر الضّاري!

ومن المؤسف حقا أن هذه الكاميرات لا تبقى مع المسؤول حين يُغْلِقُ عليه باب مكتبه، ولا تحضر معه اجتماعاتِه بمرؤوسيه، ولا ترافقه في الأسفار الخارجية حين يوقع على قراراتٍ لها ارتباطٌ وثيقٌ بأرزاق العباد ومصائرهم.

من الجيد أن يكون المسؤول خافضَ الجناح، حَسَنَ الأخلاق، لكن الأهم من ذلك أن يُحْسِنَ أداءَ الأمانة التي عُهِدَ إليه بها، وأن يَتَعَفَّفَ عن المال العام، أحرى في بَلَدٍ قيل إن رجل أعمالٍ خليجي قال في أهله: إنّ زهدهم وَوَرَعَهُمْ لا يرتقيان إلى المال!

لا تُغْنِي بَشَاشَةُ المسؤول وتواضعُه شيئا عن الشعب إذا كان سارقا للمال العام مُضَيِّعًا للأمانة، والنَّجَّارُ إذا كان لا يُجِيدُ النِّجَارة فإنّ رَبَّ العمل لن يأبه لإجادته الشعر، وحَرِيٌّ بالشعوب أن تكون حساسة تجاه الفساد، تنبذ أصحابه، وتنفر منهم ولو صاموا وصلوا، كما ينفر القارئ المرهف الحس إذا أنكر شيئا من خلق كاتبه المفضل!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى