مقالات

كلام في الشرائحية

بقلم: الهادي الحافظ

قدمت قبل أيام إلى الوطن وكعادة أي داخل لهذه الأرض ينهمك في الاشتغال ببقية ما ترك الأولون من خير يشغل عن فضاءات العالم الافتراضي هذا ولو نسبيا، ولكني مع قدومي لاحظت متابعة بعضهم لبقية ما وصلني من أخبار عن “الهرطقة السعدانية” حيث مؤتمرها الصحفي الذي عقدت فبدا لي كأنه من خلال ما ذكر لي من يتابعه أنها أقامته في أحضان من غرر بهم الفتنة بيرام، فبدت الخطوة كأنها إعلان لزاوج سياسي فئوي شرائحي كان قد تم في السر قبل الآن وقد حان الوقت لإعلانه…

طبعا لا يجهل عاقل خطورة السكوت على خطاب التفرقة والفتنة على المجتمعات وخاصة في دول مثل دولتنا التي ليس لها مما كانت تتكئ عليه سوى سلمها الاجتماعي الفطري، فمن يرى غفلة الدولة أو تغافلها عن مثل هذا النوع من الخارجين على القانون والعرف والمجتمع المؤججين لنار الفتنة يستغرب ويحار في سر هذا التغافل!!

فأقوى الدول في العالم وفي كل مكان لم تستطع إيقاف فتنة واحدة بعد انطلاق شرارتها، وحين تنطلق فتنة لا قدر الله لا رابح في المسألة من أي الأطراف كان، فلماذا وإلى متى سنظل نلعب بالنار؟
فبالأمس رأينا “بيرام” واليوم نرى “سعداني”، وإذا وجد سفير للفتنة في الذكور وسفيرة في الإناث وصفق لهما جمهور محبي الشهرة من رواد الثقافة، فيوشك أن يولد بذلك مجتمع فتنة لا قدر الله، فإلى متى ونحن نغط في سبانتا…

فبعد سكوت الدولة والعقلاء عن بيرام حتى قال ما شاء ولم يجد من يزجره ويخبره بأنه يعيش في وطن يجرم خطاب التفرقة ولم يجد عاقلا ينبهه وينبه المغترين به على عواقب تلك الطريق وعلى حرمتها شرعا وقانونا، كان من الطبيعي بعد خروج بيرام سالما بل تمت مقابلته بدل الزجر والعقوبة بالإكرام وصار يستقبله الرئيس ويتصل عليه المسؤول كذا..

كان من الطبيعي أن يتحول بيرام إلى قدوة في ذهن كل ساذج من الدهماء ممن لا يرون من الصورة إلا ظاهرها، فتبعته سعداني، ثم إني قرأت لأحدهم يتكلم عن فتنة ويلوح ويتعهد بقيام فتنة في قرية كذا كأننا في وطن لا تحكمه قوانين ترعى سلمه الاجتماعي وليس فيه عقلاء يعلمون ضرورة السلم الاجتماعي ومركزيته في الحياة العامة…

كما هو معروف عند علماء الاجتماع والعقلاء من قراء أمر المجتمعات أن كل ظاهرة في الفضاء العام إن لم تجد من يتصدى لها انتقلت من تصرف فرد عابر إلى ظاهرة لها جمهورها وتحول الفعل إلى عادة وربما صاحبه إلى رمز، لأن الطبقة المتلقية من الجمهور لا تمتلك مصفاة ولا منطقة تحليل لما ترى وتسمع من أمور، بل تجعله يمر مباشرة إلى العقل اللاوعي ثم تبدأ بإنتاجه كما هو، فعقلها أقرب لما نشاهد في آلة تصوير الأوراق “photocopieuse” فهي ترجع ما تم تقديمه لها، والمؤسف أن هذه الطبقة هي الأكثر في كل المجتمعات وخاصة في عالمنا الثالث، وهذا زمان طغى فيه صوت الأكثرية..

والمؤسف كذلك أن عادة تصدير ما نرى ونسمع من دون تمحيص ولا تنقيح ولا مراجعة لم تعد خاصة بالطبقة العامة من المجتمع بل تجاوزتها إلى ما يتسمى بالنخبة، فصار من علامات النخبوية عندنا تأييد “سعدان وبيرام من على شاكلتهما” وجلد وذم الأجداد واعتبار ذنوب قوم “عاد وثمود” سببها شريحة تسمى البيضان… بل كل مصائب الدنيا والآخرة..!!

لنقع بذلك في مأزق من هذا المسار حيث بدأ بمتاجرين بقضايا الوطن وساعين لمصالح شخصية آنية وجدوا في التحريض وخوف الدولة من خطاب التحريض فرصة للضغط عليها لنيل مكاسب خاصة ولو على حساب شعبهم ووطنهم، ثم تبعهم في ذلك كل طامح في أن يجد ما وجدوا، ثم جاءت “النخبة” لتعترف بكل مكونات الشعب إلا مكونا واحدا هو سبب التلوث البيئي في العالم “البيضان”!! والخطورة الكامنة في التغافل عن هذا الطرح أن لكل فعل ردة فعل مقابلة، ويوشك أن تصل ردة فعل المقابلة إلى البروز للعلن وعندها يحدث -لا قدر الله- المأزق الذي لا يرضاه عاقل لوطنه..

هكذا هي الصورة في عالم الافتراض وإذا أتى أحد إلى أرض الواقع سيجد كل أبناء الوطن بألوانهم وشرائحهم صفا بصف في المسجد والمستشفى والإدارات، يتقاسمون مر وحلو هذا البلد ويتجرعون كأس فساد الوطن وما ينتشر فيه من محسوبية، ثم إن كان لأحدهم معرفة أو وساطة في الدولة وجد نصيبه من الكعكة لأن لونه كذا أو شريحته كذا.. بل لأننا دولة تحكمها حتى الآن الوساطة أكثر من أي قانون…

وهذا مما يعلمه الحاكم والمحكوم من أمر دولتنا بالبداهة فمتى تنتبه الحكومة والمثقفين وكل أبناء الشعب إلى مكمن الخلل ونسعى جميعا في توجيه وتركيز جهودنا عليه:
محاربة الوساطة الإدارية والسعي لتطبيق مفاهيم دولة القانون.
وقبل ذلك وبعده لنحمي وطننا من خطاب التفرقة والمقتاتين على آلام الشعوب، فلنطفئ نار الفتنة قبل بروزها بلجم ألسنة رؤوسها ومعاقبتهم.

حفظ الله وطننا ونجانا من شر كل ذي شر، وعجل بالفرج عن أمة الحبيب صلى الله عليه وسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى