مقالات

النسب والحسب.. أية علاقة؟!

سيد أحمد ولد امصيدف

يخلط كثير من العوام بين مفهومي النسب والحسب، فبالكاد يلفظ الواحد منهم كلمة النسب إلا وعطف عليها كلمة الحسب، مُصْدِرًا عليهما نفس الحكم، تاركا للمتلقي في ظاهر ومضمون كلامه عنهما أنهما مترادفتان.

الحقيقة أن لا علاقةَ ترادفٍ البتة من حيث المعنى بين الكلمتين، فكلمة النسب تحيل في معناها إلى قيمة محايدة بالنسبة للإنسان، بحيث يتعذر أن نَصِفَ الأخير بالشرف أو الضَّعَةِ استنادا إلى نسبه؛ لأن البشرية في النهاية تنتهي إلى نفس الأصل من جهة، ولأنه من جهة أخرى لا دخل للإنسان أصلا في إحداث نسبه، وإنما يحاسب الناس على ما كان لهم دخل فيه من أمور وأعمال، تسرع بهم إلى مراتب الرفعة أو تبطئ بهم دونها…

أما الحسب، بما يعنيه من دلالة على المكتسب من أعمال حسنة أو سيئة، فهو الذي يستقيم وصف الناس على أساسه بعلو القدر أو انحطاطه، طالما كان دورهم في إحداثه واضحا وجليا، يستوي في إدراكه العالم والجاهل، العاقل والغبي.. لأنه مما يدرك بالفطرة ولا يحتاج لكثير نظر.

يحصل أن يكون الشخص كريما بما أنجز، منحدرا من آباء كرماء بما أنجزوا أيضا، ما يكسب سلسلة بعينها إكبارا لا على أساس نسبها وإنما على أساس القديم والجديد من حسبها.. وتبقى تلك السلسلة على ذلك النحو من السمعة الطيبة والمقام العلي ما بقيت أجيالها على العهد من التمسك بأسباب الذكر الحسن، فإن هي أحدثت فيه ما يخالف نهج السلف من أسباب الخمول ومؤديات التقاعس الاجتماعي أنزلها الناس حيث أنزلت نفسها في المراتب السفلى، جزاء وفاقا لسوء ما أحدثت في حسب أسلافها:

وخير الناس ذو حسب قديم ** أقام لنفسه حسبا جديدا

تراه إذا ادعى في الناس فخرا  ** تقيم له مكارمه الشهودا

يحدث كذلك أن ينهض جيل من سلسلة عُهِدَ عنها خمول الحسب بما يتيح بناء حسب جديد، أساسه النهوض بأسباب المجد ومهيئات الرفعة والشرف: (وتلك الأيام نداولها بين الناس).

صناعة الحسب متاحة لكل فرد ولكل مجموعة من الناس، وهي مجال التنافس الأهم بين أصحاب النفوس الكبيرة والهمم العالية:

لولا المشقة ساد الناس كلهم ** الجود يفقر والإقدام قتال

بيد أنه حين يصبح التكاسل عن النهوض بأسباب المجد ومهيئات السمو طبيعةَ مجتمع أو مجموعة أو فرد من الناس، تُعْطَى الأنسابُ قيما إيجابية وسلبية، وتشيع ظاهرة التفاخر بالقوالب الطينية للإنسان (الأنساب)، حتى يخيل للعوام وبعض المحسوبين على الخاصة، أن لبعض تلك القوالب فضلا بالفعل على بعض، والحقيقة أنه حتى في اللحظة التي يعجز فيها الإنسان عن صناعة الحسب الكريم ويحتمي بالنسب، فإنه لا يحتمي به حبا لذاته المجردة وإنما بحثا عن قيمة الحسب المرتبطة به تاريخيا.

في بعض المجتمعات – ومنها مجتمعنا – ترتبط التراتبية الاجتماعية بتقسيم وظيفي لا علاقة له نهائيا بموضوع العرق (النسب)، ولا بموضوع المكتسب من المكانة الاجتماعية (الحسب) فمن جميع مكونات المجتمع يوجد العربي والبربري والزنجي… ولهم في أحسابهم تاريخ رفع أقواما من جميع المكونات، وخفض آخرين من كل فئات المجتمع أيضا.

هنا يصبح أي حديث عن اعتبار الإسلام للنسب – مهما كان ذلك النسب صحيحا – كقيمة يتفاضل الناس على أساسها، دعوةً مضادة لهذا الدين، منافية لتعاليمه السامية في تبيان وحدة نسب البشرية: (كلكم لآدم و آدم من تراب)، وجعل التقوى المعيار الأوحد للتفاضل بينهم: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)…

قلت ذلك في شأن الأنساب الصحيحة في المجتمعات المحصنة لأنسابها من آفتي الانتحال والانقطاع، فما بالك بمجتمع يماهي بين مفهوم النسب ومفهوم الوظيفة التاريخية، لدرجة اعتبار العلاقة بينهما من قبيل الترادف، وهيهات أن تكون كذلك!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى