مع شاي الصباح

مع شاي الصباح (إلى أين نتجه؟)

أحمد سالم ولد باب

اشتركت الروايات التي قرأتُها عن تاريخ الثورتين: الفرنسية 1789، والمصرية 1952، في الإرهاصات الْمُنْذِرَةِ بالأحداث الخطيرة القادمة.. ساد فقدان الأمل، وضبابية الرؤية، والإحساس بعدم الأمان، والخوف من المجهول، وعدم الثقة بالمستقبل.. وكان السؤال الأكثر ترددا على الألسنة: إلى أين نتجه؟

هل شعر الموريتانيون يوما بهذه الأمور كما يشعرون بها اليوم؟

حزبُ المتفرجين المترقبين لمآلات الأمور يزداد شعبية يوما بعد يوم، وقد فقد السياسيون، موالين ومعارضين، جاذبيتَهم وقدرتَهم على الإثارة والتأثير، وأصبح الموقف السائد تجاه خطاباتهم هو الإهمال واللامبالاة:

لا الصَّدُّ يُشجي ولا لقياك تسعدني ** فما أنا مثل ما قد كنت تعهدني

فلا البلابل تسبيني صوادحها ** في مطلع النور إن غنّت على فنن

ولا الزهور إذا ما الطَّلُّ بلّلها ** توحي ليَ الشعر أو بالحسن تفتنني

وما أنا بالذي تُغريه بارقةٌ ** من الوصال ولا الهجران يهدمني

فقد نسيتُ من الأيام أعذبَها ** كما تناسيت آهاتٍ تعذبني

إن خوض الجماهير في الشأن العام وتعاطيها معه آيةٌ على أنها لم تفقد الأمل، وإعراضُها عن ذلك نذيرُ شؤم، يدل على يأسها وقنوطها من صلاح الأمور، وانسدادُ الأفق يقود حتما إلى الانفجار.

قد يكون هذا الحديث كئيبا بغيضا في نظر مَن يرون أن “البلاءَ مُوَكَّل بالمنطق”، وأن في الحديث عن هذه الأمور إيقاظًا واستدعاءً لها، وربما زاد النفورَ منه أن المتحدث عنه يلبس في الأغلب ثوب الواعظ أو الناصح، وقد جُبِلَت أنفس كثيرة على بُغْضِ هذين.

وليت التجاهل يستطيع دَرْءَ الخطر والوقايةَ منه، لكنه أشبه ما يكون بما يقال عن دفن النعامة رأسَها في الرمل عند استشعار الخطر!

افتتح الكاتب الإنگليزي تشارلز ديكنز روايته التاريخية “قصة مدينتين”، التي تؤرخ للثورة الفرنسية والأحداث التي سبقتها، بهذه العبارة: “كان أحسنَ الأزمان، وكان أسوأ الأزمان، كان عصر الحكمة، وكان عصر الحماقة، كان عهد الإيمان، وكان عهد الجحود، كان زمنَ النور، وكان زمن الظلمة، كان ربيعَ الأمل، وكان شتاء القنوط، كان أمامنا كل شيء، ولم يكن أمامنا شيء، كنا جميعا ماضين إلى الجنة مباشرة، وكنا جميعا ماضين إلى جهنم مباشرة”.

ثم استطرد: “في كلا البلدين كان السادةُ المهيمنون على مخازن الدولة الخاصة بالخبز والسمك يرون في مثل وضوح البلَّور، أو أوضح، أن الأشياء سوف تظل على حالها الراهن أَبَدَ الدهر”!

إن أي تشابه بين ما ذكره ديكنز في روايته وبين أي واقع آخر هو من قبيل المصادفة!

وما دام سياق الحديث عن الروايات، فأذكر أن الروائي البرازيلي باولو كويلهو كتب ذات يوم: “أنا أتكلم عما يقلقني، وليس عما يحب الناس سماعَه”!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى