مقالات

في مهنة المتاعب (4)

محمدُّ سالم ابن جدُّ

جاء في أمثالنا الشعبية “إشوف النخل ال ما يعرف ال في الدخل” وهو ما ينطبق على من لا يعرف ما وراء الأكمة عند ما يسمع مذيعا يحيي مستمعيه – أو يودعهم – مشاركة مع “زميله المهندس” أو يشكره.. لكن العلاقة بين الطرفين قد لا تكون سمنا على عسل بالضرورة.
فكم أدارت مهندسة أسطوانة التسجيل ثم خرجت إلى شأنها مهملة ثغرا أوكل إليها رباطه فتفرقت أسرة البرنامج بحثا عن فلانة لأن خللا جرى فاستوجب إعادة التسجيل، أو عنصرا صوتيا جاء وقته فلم يجد من يدرجه. وكم غاب جزء من مكتبة الإذاعة في الجزء الغربي من أحد الاستوديوهات لأن مهندسا أهمله بعد ما وقّع المذيع وثيقة باستلامه تقضي باقتطاع قيمته (قد تكون عالية) من راتبه إن لم يعده سليما.
قد تسجل المادة التي لا تزيد على دقائق معدودة في شريط مدته نصف ساعة أو أكثر فلا ينتبه المهندس – رغم التنبيه، ورغم أن العد العكسي تجاوز الصفر- فيستمر فيما لا محل له من الإعراب، وبعد لأي ينتبه – أو يُجدي تنبيهه- فيوقفه بعد فوات الأوان، وعند النقاش يدفع كل المسؤولية إلى الآخر. ولتحاشي هذه المشكلة وتحديد المسؤول عنها اصطلح على قطعة صامتة حمراء بنفس مقاييس شريط التسجيل سموها قطعة النهاية (MORCEAU DE FIN) واتفق على أن المسؤول عما قبلها المذيع وعما بعدها المهندس.
ولكن الأمر استمر بأشكال أخرى.
بيد أن المهندس قد يصوب خطأ المذيع في بعض الأحيان. ومن ذلك ما حدث لي في زلة لسان على هواء إذاعة موريتانيا سنة 1992 أو 1993 حيث كنت أعمل في مجموعة البرامج الثقافية، وكان منها برنامج يدعى “أنت تسأل ونحن نجيب” وفي إحدى حلقاته أجبت سؤالا عن الشيخ المحفوظ ولد بيه رحمه الله، ومعلوم أن أستاذه في علوم اللغة هو الشاعر محمدُّ سالم ابن الشين، وخلال الإجابة قلت إنه “تعلم اللغة العربية وآدابها على الشاعر محمدُّ سالم ابن جدُّ” (وهي الصيغة التي أقَدَّم بها في الإذاعة) وأثنيت على الأخير! وحين نبهني المهندس – عبر السماعتين- على أني إنما أثني على نفسي لم أستطع التصحيح إلا بصعوبة تفاديا للضحك.
الغريب لم يكن الخطأ باسمي فقط؛ وإنما كوني – في العادة- أتحاشى تسمية نفسي وأراها نوعا من النرجسية ثم أدعي تلميذا بهذا الحجم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى