مقالات

في مهنة المتاعب (1)

محمدُّ سالم ابن جدُّ

دخل الثالث من أغسطس تاريخ الموريتانيين عموما سنة 2005 واشتهرت قناة الجزيرة منذ أواخر سنة 1996 وفيها اشتهر فيصل قاسم بالبرنامج المثير للجدل “الاتجاه المعاكس”.
أما أنا فدخل الثالث من أغسطس تاريخي الخاص سنة 1992 حين أعددت وقدمت فيه ما يمكن اعتباره الحلقة المرئية الأولى من الاتجاه “المعاكس” (الصورة المرفقة) قبل وجود الجزيرة، أيام كان فيصل نور القاسم شابا حديث العهد بالتخرج من كلية للمسرح يقدم برامج المنوعات (كالبرنامج المفتوح) ويقرأ التقارير غير السياسية في القسم العربي من “بي بي سي”.
لم يرق كوب ماء في الحلقتين اللتين شرفت بإنتاجهما ولم تصدر كلمة نابية، وربحت صديقين عظيمين، وربح كل منهما الآخر، لأني أصلحت ذات بينهما بالعمل ذاته! ولذلك قصة أسوقها أدناه باختصار:
في صيف هذا العام، وأنا أعمل بالقطعة (أو التعاون) مع جريدة “الشعب” كتب الطبيب عبد الله بن أوفى – رحمه الله- بحثا علميا يتضمن نظرية مفادها أن عوز المناعة (حمانا الله وإياكم) مرض قديم غيّر فيروسه بنيته على مر العصور (وهي خاصية لا تنكر للفيروسات) وساق أدلته على ذلك.
نشر البحث في جريدة “الشعب” وتلقاه الناس باهتمام مستحق بصرف النظر عن مواقفهم منه. وبعد أيام أجرى شاب ناشئ مقابلة مع الطبيب محمد المامي ابن آجه – حفظه الله- أقحم في نهايتها سؤالا جانبيا عن النظرية المذكورة، فرد هذا بما يفيد أنه لا يراها، وحرص على التحفظ والتزام الأدب. لكن الصحفي الشاب – طلبا للإثارة والتهويل- اقتطع هذه الفكرة (دون التزام بالدقة) وجعلها عنوانا للمقابلة من أصلها، وإن بقي الكلام في صلب المقابلة كما هو!
رد الطبيب عبد الله منتصرا لرأيه، ورد الطبيب محمد المامي موضحا موقفه، وتوالت الردود.. ونحن يومئذ في بداية انفراج يضمن حق الرد، ولم يكن من اللائق بقاء الحال هكذا؛ خصوصا بين قامتين سامقتين مثلهما. لذا طلب مني مدير الجريدة السيد محمد الحافظ ولد محم (الذي أحييه بالمناسبة) القضاء على هذه الحال بالطريقة التي أراها دون أدنى اقتراح في هذا الصدد.
لم يسبق أن لقيت أيا من الرجلين من قبل (والحمد لله على صحتي) فكانت الخطوة الأولى لقاءهما (كل في مكتبه) ثم ارتأيت أن أضع نفسي مؤقتا موضع الخصم لكل منهما فأفترض لكل عكس وجهة نظره ليبرهن على ما ذهب إليه، وتم ذلك بنجاح ونشر في حلقتين صدرت أولاهما صباح الاثنين الثالث من صفر 1413 هـ (03 /8/ 1992م كما تقدم).
في الحلقتين قال كل منهما ما أراد، ورد كل على الآخر، ونشر الناتج بأمانة، وجاء معا فلم يبق محل للرد، فطابت نفس كل منهما (طيب الله لنا ولهما الحال والمآل ورحم الراحل وعمر الحي معافى) وكان هذا سببا في صداقة وطيدة بينهما من جهة، وبيني وبين كليهما من جهة أخرى.
عند ما نُشرت الحلقة الأولى أبدى لي الشاب الذي سبق ذكره الأسف قائلا: لماذا تطفئ النار التي أوقدتُها؟ قلت: ما دمت تعرف أنها نار فلماذا أوقدتها؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى