مقالات

في مهنة المتاعب (17)

محمدُّ سالم ابن جدُّ

يلفت الانتباه دون شك أن بعض الأحداث والأنشطة يحظى بثناء واهتمام إعلامي لا يتناسبان مع قيمته الفعلية، وبالمقابل يحرم البعض الآخر – على أهميته- من اهتمام الإعلام كليا أو جزئيا، وكثيرا ما يكون المنشور عن موضوع ما نصا واحدا لا يتغير مهما تعدد ناشروه.
ومن أسباب ذلك أن “التغطية” أصبحت بابا من أبواب الصرف، فإذا أغلق أصيب الإعلام بالعمى والصمم، وكثيرا ما يمتنع الدافعون من تسليم مقابل “التغطية” حتى يطلعوا على ما ينشر عنهم، وبذلك استفادوا من فورية النشر وتضخيم الحسنات – أو اختلاقها عند الحاجة- وحجب السيئات مهما عظمت، حرصا على دراهم معدودة حولت الخبر إلى إعلان فأفقدته الثقة ومرغت أنوف مواثيق الشرف في رغام الطمع.
وقد يسلم “المعلن” موضوعا إلى الصحافة فيصدر كما جاء من عنده بالنقطة والفاصلة كسلا وحرصا على رضاه وما يدره من مال آسن قد يضع أي تغيير عقبة في مجراه إلى وهاد الجيوب!
إحدى شركات الاتصال تفعل الأفاعيل ومع ذلك يتعذر الحصول على خبر سلبي عنها، ويتسابق الصحفيون إلى أنشطتها ويتزاحمون على الصف الأول تأكيدا لحضورهم، لأن من مواد عقدها الإعلاني عدم نشر ما يمس منها إلا بعد إشعارها وموافقتها (!!) وتغطية أنشطتها دون مقابل. لذا يثبت الفائزون بالعقود التزامهم بمقتضاها ويتعرض الآخرون لمعروف الشركة ليت ولعل وعسى..
من نتيجة ما سبق أن صار الخبر ينقل بأجرة (كالمتاع) وصار “الناقل” يسعى إلى ما يعوض تعبه ووقوده ووقته. لذا لا يعبر الكثير مما ينشر عن حراك الساحة بقدر ما يعبر عن الاستعداد للدفع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى