تعرض كتاب “الطريقة الشاذلية الغظفية: الإرشاد والإمداد والجهاد” لحملة شرسة، وقمع عنيف، ومحاكمة غيابية، في مواقع التواصل الاجتماعي، فقد هاجمه البعض بذريعة أنه دعايةٌ إعلامية للنظام القائم، والتماسٌ منه لنفوذ روحي يُسْنِدُ نفوذَه السياسي، وهاجمه آخرون مِن مُنْطَلَقِ موقفهم الأصلي المنتقد للصوفية وأهلها.
يتعين أَنْ نقول هنا إِنَّ الشعبية، التي يتمتع بها ناشطو وسائل التواصل الاجتماعي، لا تعني أنهم على حق دائما، ولا أَنَّ ما سَدَّدُوا إليه سِهَامَ نقدهم خطأٌ بإطلاق، وقديما اكتسب القُصَّاصُ جماهيرية عظيمة، واجتمع عليهم أحيانا أكثرُ مما اجتمع على الأئمة والفقهاء والمحدثين، لكن ذلك لم يعط قيمةً لِقَصَصِهِمْ، ولم يَزِدِ الثِّقَةَ به.
يُحْسَبُ لناشطي وسائل التواصل الاجتماعي أن صراخَهم اليومَ كَدَّرَ صفو المفسدين، ونَغَّصَ عيشهم، وجعلهم يلتفتون ألف مرة قبل أن يُقْدِمُوا على الفساد، لكن هذه المزية العظيمة لا تجعل مطالبهم وجيهةً في جميع الأحوال.
رغم أن النقابات تعتبر أُمًّا رَؤُومًا للعمال، تطالب بحقوقهم، وتدفع عنهم الظلم، إلا أنها استطالت أحيانا، ووقفت في وجه إصلاحات ضرورية للاقتصاد، فعندما انتُخبت رئيسة الوزراء البريطانية الشهيرة مارغريت تاتشر كانت النقابات العمالية قد تغولت بشكل خطير، وصارت الحكوماتُ تَرْهَبُ جانبها، ولا تألو جهدا في استرضاء قادتها، لكن “المرأة الحديدية” رأت أن مطالبها الكثيرة أضحت مُضِرَّةً بالاقتصاد ومُكَلِّفَةً له، فأخذت على عاتقها أن تَحُدَّ من نفوذها، وقد نجحت في ذلك حتى صار النقابيون يخرجون من مكتبها دون أن تسقيهم قطرة ماء، بعد أن كانوا يُستقبلون بأغلى أنواع النبيذ! وقد أثبت التاريخ أن الزعيمة كانت مُحِقَّةً في تقليم أظافر أُمِّ العمال الرَّؤُوم!
أَيًّا كان الهدف من طبع كتاب “الشاذلية الغظفية” فهو كَشْفٌ وبحث ونفض للغبار عن جانب مجهول من رجالنا وتاريخنا وأدبنا، ساهم في جَهَالَتِهِ عُزُوف أهله عن الدنيا، ورغبتهم عن الشهرة، وهو عزوف ينضاف إلى إهمالٍ قديم تعجب منه الشيخ باب بن الشيخ سيديا، حين كتب أن أهل هذه البلاد “لم يعتنوا بتاريخها في كتاب معتبر من أول الزمان إلى الآن، مع كثرة ما وقع فيها من الأمور الكبار، التي ينبغي الاعتناءُ بكتابتها، وكثرة مَن كان بها من الأكابر من كل صنف، والذين لا ينبغي أن تُتْرَكَ أخبارُهم نسيا منسيا على جلالتها”.
وقد تبين من المعلومات التي رَشَحَتْ عن مادة الكتاب – في “الاعتذاريات” التي كتبها بعضُ مؤلفيه – أنه كتابُ أدب وتاريخ وتصوف، وهو أمر يؤكد تهافتَ السؤال عن الجهة الداعمة لتأليفه وسبب ذلك؛ فالمطر مُرَحَّبٌ به أَيًّا كانت جهةُ إقباله، ولا يخفى أن اعتناءَ الجهات الرسمية بالكتاب تجلب له قيمةً إضافية، من حيث قدرتها على توفير الوسائل والوثائق الضرورية لإنجازه، وجلبها مِن مظانها المترامية الأطراف.