يبدو أن الإحباط واليأس عادا إلى المشهد العام أخيرا، بعد مرحلة تَرَقُّبٍ أعقبت انتخاب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، انتعش فيها أَمَلٌ بتغييرِ الأوضاع، عَزَّزَهُ خطابُ التهدئة والتقارب الذي تَبَنَّاهُ الرئيس غزواني في علاقته بالقوى السياسية.
وقد ساهمت القيودُ، التي فرضتها جائحة “كورونا”، في إِطالة أَمَدِ تلك التهدئة، ولعل المعارضة، التي تعاني الضعف والتفكك والإنهاك، رَغِبَتْ في ذلك لتلتقط أنفاسَها قبل جولة جديدة من المغالبة السياسية.
لم يكن مَنَاصٌ من انقضاء “شهر العسل” هذا؛ فليس لإنجازات النظام، مهما قيل عن حجمها، أَثَرٌ ملموس على الحياة اليومية للمواطنين حتى الآن، بل إن الأسعار شهدت زيادة كبيرة في الآونة الأخيرة، وقد اعتبر البعضُ أن “قانونَ الرموز”، الذي صادق عليه البرلمان مؤخرا، انتكاسةٌ وتقهقرٌ وعودة إلى الوراء، بعد مكاسب تحققت على مدى عقود في ميدان الحريات العامة، أما التقارب مع القوى السياسية، الذي طالما افتخر به النظام، فلم يُفْضِ إلى نتيجة ملموسة، وقد تَذَكَّرَ الناس – في خِضَمِّ هذه المآخذ – أن النظام يتمسك برموز الفساد ويقوم بتدويرهم باستمرار.
لم تعد المعارضة اللاعب الوحيد ضد النظام، بل ظهر منذ فترة طَرَفٌ آخَرُ له دور متعاظم في توجيه الأمور.. طَرَفٌ يصعب احتواؤه خلافا للمعارضة التقليدية، وهو ناشطو وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد كان للحملة الأخيرة التي قادها هؤلاء ضد الغَلَاءِ، وتَرَدِّي الأحوال المعيشية، وقانون الرموز، وتدوير المفسدين، أثرٌ كبير في تقويض التهدئة بين النظام والمعارضة، التي خشيت سَحْبَ البساط من تحتها.
من الممكن أَنْ تُسْتَعَادَ التهدئةُ – إلى حين – بين المعارضة والنظام، متى قام الأخير بإجراءات كبرى، مثل: زيادة الأجور، وتحسين الخِدْمَات، وفتح الباب لمشاركة قوى وطنية وشخصيات معارضة في حكومة وطنية توافقية.
لكن ما نحتاجه الآن حقا، ويَتَطَلَّعُ إليه أولو الألباب بلهفة، حوار سياسي واجتماعي صادق وعميق، يُرَمِّمُ الألفة بين أطياف المجتمع، ويمهد لمعالجةٍ جذرية دائمة لمشاكلنا الاجتماعية والسياسية، ويعيد الثقة في المستقبل، والأمل إلى النفوس، تنهض إليه القوى السياسية والاجتماعية مخلصةً ومستعدة للتضحية.