أحيانا ترمي الأقدار بالمرء حيث يحق له أن ينشد:
وما غربة الإنسان من شحط النوى ** ولكنها – والله- من عدم الشكل.
ومما يدخل في هذا الإطار أن مسؤولا عن مطبوعة عملت بها كان – في بداية الأمر- يسلم ما أنجزتُه إلى محل ثقته الذي كان – بالمناسبة- شبه أمي، لكي يراجعه ويجيزه للنشر! وكان ربما ناقشني فأوضحت له ما يشكل عليه، ومع الوقت تركني وشأني.
مطبوعة أخرى جمعتني – قبل زمان- بقوم لا تأخذهم في إلحادهم لومة لائم، وكان أحدهم بشوشا ودودا مع حساسية مفرطة من شعائر الإسلام؛ فمثلا يرحب بمن يلقاه بأدب جم قائلا: كيف حالك يا رجل؟ فرارا من “السلام عليكم”!
وفي تلك الأثناء حل رمضان فكنت وشابا بولاريا (تولى منصبا رفيعا مؤخرا) الصائمين الوحيدين من زملائنا الذين استمروا في القصف.. بزيادة إحضار المشروبات والمأكولات في أيديهم علنا؛ كأنما استحدثوا ذلك نكاية برمضان.
سألني أحدهم مرة: أترى الله محتاجا لصومك؟ ألا يستطيع أن يدخلك الجنة دون أن تعطش؟! قلت: بلى، ويستطيع أن يكبني في النار إن عصيته. ثم إن الحاجة لي لا له تعالى.
كثيرا ما يستعر النقاش بين القوم دون تحفظ مني، ولعلهم يستهدفونني بما يدور بينهم. وكانوا مجمعين على مناوأة التدين، ولكنهم مختلفون في التعامل الأمثل مع المجتمع المتدين؛ فبعضهم كان يرى أن على من يريد “إرشاد” المجتمع أن ينسجم معه ويعظم ما عظمه بغض النظر عن موقفه الشخصي منه، بينما يسخر أكثرهم من هذا الرأي الذي يقضي بتأثير المجتمع في المرء بدل تأثيره هو في المجتمع.
ومع الوقت اجتذب المجتمع فعلا أغلب الذين أتحدث عنهم، وتداركهم لطف الله، فاهتدى أكثرهم إلى سواء السبيل، أو هكذا يظهر لي، والله يتولى السرائر.