استلقيت البارحة على السرير طلبا للنوم فألقى الشيطان لعنه الله كعادته في عقلي ببعض الأسئلة المتعلقة بالكون وخالق هذا الكون جل في علاه..
وبينما موجات التفكير تموج في عقلي إذ هدى الله إلى صرف الذهن ووجهة التفكير إلى كينونتي وذاتي ككائن صغير في عوالم لا متناهية من ملكه سبحانه وتعالى وأنه قادر على أن يترك الأرض -التي لا أشغل منها سوى نقطة أو أصغر من ذلك- تميد بي إلى حيث لا أعرف، ومن كانت هذه قدرته على الأرض فكيف بها على جرم صغير مثلي، فوقف العقل عاجزا خائفا من هول المشهد مقرا بعجزه وعائدا من رحلة التفكير بأن من كان هذا حاله فليركن إلى طاعة خالقه، كما قال الشيخ اباه حفظه الله يوما حين سأله الشيخ محنض باب حفظه الله:
من لا يخاف الله، فماذا يفعل؟
فأجاب:
فليطمع فيه سبحانه وتعالى..
فكذلك كانت خلاصة تلك الرحلة من التفكير أن أمثالي من الغافلين ممن لم يحسنوا الدخول من باب الطمع والتعرض للفضل فحسبهم أن يعرفوا قدرهم وقدرة الله عليهم ويفروا ويهرعوا ويبادروا إلى الخوف من الحق سبحانه وتعالى..
استيقظت اليوم على خبر الزلزال المفجع الذي ضرب بلاد الإسلام من أرض الشام إلى تركيا، فتذكرت مثل هذه الأيام حين كنت هناك وكنت في كل ليلة حين آوي إلى فراشي أفكر في أمر الزلزال وكيف بإمكانه أن يقضي على هذه الجموع في لحظات، وأننا في أي وقت -لا قدر الله- قد نكون في خبر كان، وأتذكر أن استحضار الموت بهكذا طريقة هو دأب السلف غير أن أمثالي من الغافلين لا يفعلونه سوى تحت سيف الخوف..
فلما قرأت خبر الفاجعة بادرت إلى قائمة الهاتف لأطمئن على الإخوة هناك وخاصة من الأحباب والأفاضل من الإخوة السوريين، فمن حسنات الذهاب إلى تركيا التعرف على أبناء أرض الشام الذين من رآهم رأى أثر صحبة وتربية الصالحين من محبة الحبيب صلى الله عليه وسلم وكثرة الصلاة عليه ومحبة الخير والجد في العمل.. فيعلم العاقل وهو يرى تلك الثلة الطيبة البركة المباركة مهجرة ومحرومة في أغلبها من الأوراق.. كم هو عظيم وكبير تقصير حكام دول عالمنا الإسلامي.. فلو علموا ما فيهم من خير لتنافسوا على استقبالهم فرج الله عنا وعنهم..
فلما ولجت إلى عوالم الافتراض من واتساب وافيس بوك رأيت أن الأمة الإسلامية مات في أغلب أبنائها عصبان عظيمان:
-الأول هو العصب الحسي المسؤول عن الإحساس بآلام الإخوة في الدين فقد وصف الحبيب صلى الله عليه وسلم هذه الأمة بالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى:
وها قد اشتكى عضو: فهل يا أخي المسلم حزنت لذلك ودعوت الله عن ظهر غيب لإخوتك ورأى الله منك صدق الإخوة لهم..
-أما العصب الثاني فهو الوجل والخوف عند المصائب والرسائل الإلهية المخيفة (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا)، فهل اعتبرت ولجأت إلى الله بالاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء تسأل الله العافية والسلامة لك وللمسلمين..
وهذان العصبان من أساسيات ومبادئ المسلم الذي إن فقدهما فليبادر المراجعة لنفسه والأوبة وحسن التوبة..
وتعمل فرق شياطين الإنس على محاربتهما فتزهد:
في الأول بفتة الوطنية وأن كل وطن لديه ما يشغله من المصائب!
وفي الثاني بفتنة تفسير الأمور بما يسمى ظواهر طبيعية لما لأهل هذا العصر من عبادة للعلم ولكن المسلم حصنه كتاب ربه بالإخبار بذلك:
(يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) وكل ظاهرة كالزلزال وغيرها مهما عرفت أخبارها يجب أن يظل البعد التهرهيبي فيها حاضرا عند المسلم..
حفظ الله إخوتنا في الشام وفي تركيا وشفى جرحاهم وتقبل شهداءهم وربط على قلوب الأهل وجعل الله أجر هذه الفاجعة عودة أهل الشام لأرضهم سالمين غانمين وهداية لكل حكام المسلمين وعوامهم ووحدة الصف وعلو الدنيا والآخرة، وعجل بالفرج عن أمة الحبيب صلى الله عليه وسلم.