قبل خمس سنوات أجرى رئيس تحرير “إحاطة”، الزميل أحمد سالم ولد باب، تحقيقا مصورا لصالح أحد المواقع المحلية، يرمي إلى إخبار الناس بحقيقة الذهب، في وقت انتشرت فيه الشائعات والتزمت الحكومةُ الصمتَ..
ورغم انتشار فيديوهات كثيرة عن التنقيب في ذلك الوقت، ونشر الوكالة الرسمية للأنباء تصريحات لمدير المعادن آنذاك، أكد فيها وجود كميات معتبرة من الذهب السطحي في المناطق الشمالية، ثم صدور القانون المنظم للتنقيب الفردي، إلا أن ذلك كله لم يُخْرِجْ الرأيَ العام من ظلام الشائعات، فلم يستطع أحد حينها الجزمَ بالكميات التي يحصل عليها المنقبون من المعدن النفيس، تشجع على خوض المغامرة.
وَثَّقَ زميلُنا عمليةَ بيعِ قِطَعٍ من الذهب السطحي، وصَوَّرَها في فيديو نشره مع التحقيق الذي أجراه، لكنه لم يقابل – رغم طول البحث – من حصل على أكثر من الـ 12 غراما التي حضر بيعها.
والآن تمر 5 سنوات على صدور المقرر الوزاري الذي ينظم التنقيب السطحي ويرخص له، فما الذي تغير؟
البداية
كانت شركة “لاندين” البريطانية أولَ من نبه على وجود احتياطيات مهمة من الذهب في منطقة “تازيازت”، الواقعة على بعد 350 كلم شمال العاصمة انواكشوط، وقد باعت الشركة أنشطتها لشركة “ريد باك ماينينغ” الكندية بغلاف مالي يبلغ 600 مليون دولار أمريكي، وقامت الأخيرة باستثمار 210 مليون دولار أمريكي لإقامة مصنع ومجمع لمعالجة الصخور وملحقات أخرى، منها شبكتا مياه وكهرباء للمصنع.
ازدهار متصاعد
بدأت الشركة الكندية عمليات الاستغلال في العام 2008، ونجحت في ترويج ما يقدر بـ 150 ألف أونصة من الذهب (1 أونصة = 31.10 غرام)، وحققت رقم معاملات يناهز مليار دولار، منها 65% أرباح، وحصلت موريتانيا على 65 مليون دولار كضرائب على الشركة سنة 2009، وفي العام 2010 بيعت شركة “ريد باك ماينينغ” بمبلغ 7 مليارات دولار لمجموعة “كينروس الكندية للذهب”.
وأعلنت “كينروس” عن عملية توسعة في “منجم تازيازت” ليصبح ثاني أكبر منجم للذهب في العالم، وفي العام 2018 وصل مجموع إنتاجها إلى 2.45 مليون أونصة من الذهب، وصرحت الشركة أن “منجم تازيازت بموريتانيا ساهم بشكل كبير في تحقيق هذا الأداء، وسجل إنتاجا قياسيا خلال الفصل الأخير”.
وارتفعت مستويات الإنتاج في عام 2019 بنسبة 56% مقارنة بالسنة السابقة، من خلال إنتاج قياسي بلغ 391،097 أوقية (حوالي 11 طنا)، وفي شهر فبراير 2021، قال المدير العام لـ”تازيازت موريتانيا المحدودة” التابعة لشركة “كينروس الكندية”، دافيد هندريكس، إن إنتاج الشركة من الذهب وصل خلال العام 2020 إلى 12,6 طنا، بزيادة 4% مقارنة بمستوى الإنتاج خلال العام 2019، مشيرا إلى أن الشركة تمكنت من خفض تكاليف الإنتاج من متوسط 976 دولارا للأونصة في 2018 إلى 602 دولارا خلال 2019، و584 دولارا في 2020، مردفا أن ارتفاع العائدات أدى إلى تطور الإتاوات المدفوعة للدولة الموريتانية من 16 مليون دولار عام 2019 إلى 36 مليون دولار في 2020.
وكان رئيس شركة “كينروس” الكندية، بول رولينسون، قد أكد في تصريحات صحفية أن “تازيازت” مثلت نموذجا للأداء الأفضل ضمن فروع الشركة خلال العام 2020، مضيفا أن العمل جار على توسيع إنتاجها خلال الأعوام القادمة.
وفي يونيو 2020 أعلنت وزارة النفط والطاقة والمعادن الموريتانية التوصل إلى اتفاق جديد مع شركة “كينروس تازيازت”، يضمن مزايا اقتصادية هامة لموريتانيا، ويوفر عمليات استغلال أحسن، ويضمن شفافية أكثر في التسيير، وأضافت أن الاتفاق الجديد سيمكن من زيادة عائدات الدولة من “منجم كينروس تازيازت” عبر اعتماد آلية جديدة تمكن من ربط قيمة الإتاوات بسعر الذهب في السوق العالمي، وأن النسبة التي تحصل عليها موريتانيا سترتفع من 3% لتتراوح ما بين 4 إلى 6,5%، كما ستسدد الشركة مبلغ 25 مليون دولار أمريكي للخزينة العامة كتسوية.
وأكدت الوزارة أن مزايا الاتفاق تضمنت بالنسبة للدولة الموريتانية تمثيلها في مجالس إدارة الشركة لأول مرة، ورفع مشاركتها في مشروع “منجم تازيازت الجنوبي” إلى 15%، وسيتم بموجب الاتفاق منح رخصة استغلال هذا المنجم لشركة “كينروس”، كما تضمنت مزايا الاتفاق تقديم نصف مليار أوقية قديمة (25 مليون دولار) سنويا لصالح قطاع المعادن، وتفضيل الشركات الوطنية وزيادة إشراكها، وتطوير المشاريع العالقة وذلك وفق شروط جديدة، وتسوية بعض النقاط المتعلقة بتسيير واستيراد المواد المعفية من الضرائب.
وقال وزير المعادن والنفط الموريتاني، عبد السلام ولد محمد صالح، إن الاتفاق الجديد سيربط نسبة الدولة بسعر الذهب عالميا، وأن الاتفاق سيضمن شفافية أكثر في إدارة المنجم، واستغلالا أحسن للذهب الموريتاني.
خمس سنوات مضت على البداية الرسمية للتنقيب السطحي
منذ سنة 2017 قصد عشرات الآلاف من الموريتانيين: شبابا وشيبا، عاطلين عن العمل، وموظفين، ورجال أعمال، منطقة “الدواس”، ومن بعدها “اگليب اندور”، و”الشگات”، و”مقطع لحجار”، و”امبود”؛ بحثا عن الذهب، فما الذي تغير خلال هذه السنوات؟
لم يعد وجود الذهب مَحَلَّ تشكيك، لكن جدوائية التنقيب عنه ما زالت موضع جَدَلٍ حتى الآن، على الأقل بالنسبة للفقراء وذوي الدخل المحدود!
سيد محمد أحد الشباب الموريتانيين الذين قرروا خوض غمار تجربة البحث عن الذهب والوقوف على حقيقته بأنفسهم، بعد تضارب الأنباء بشأنه.
قضى سيدي محمد زهاء ستة أشهر بين “لمجاهر” في منطقة تازيازت، وخصوصا “الدواس”، حيث المكان الأكثر احتمالا لوجود الذهب والأكثر قربا من المنطقة الممنوحة للشركة الكندية العالمية، التي تتولى عملية استخراج الذهب بموجب اتفاقية مع الحكومة الموريتانية.
جمع سيدي محمد، خلال سنة 2017، زهاء 800 غرام من الذهب، عيار 22، أي ما قيمته 15 مليون أوقية تقريبا، كان نصيب الفرد من فريقه بعد نزع التكاليف ما يقارب 3 ملايين أوقية، وقد عاد سيدي محمد بنصيبه إلى انواكشوط ليشتري سيارة أجرة، ينفق من غَلَّتِها اليوم على والديه الضعيفين وأولاده الأربعة.
وفي هذه الأيام يقول سيدي محمد إنه سيعيد الكَرَّةَ مع رفاقه خلال الأسابيع القادمة، حين تعتدل الحرارة ويصبح الجو ملائما، ويؤكد الرجل أن وجهته هذه المرة ستكون “الشگات”، التي استفاد فيها المنقبون، حسب تعبيره، عائداتٍ مالية محترمة.
لكن عبد القادر، الذي ذهب صحبة شقيقه، ولم يلبث سوى ثمانية أيام، لا يبدو متفائلا، حيث يقول: “كنا قرب سياج الشركة الكندية ذات ليلة فحصلنا على بضعة غرامات من الذهب، هي كل ما استفدناه من تجربتنا المضنية، وثَمَنُ هذه الغرامات لا يغطي خُمُسَ تكاليف رحلتنا”!
أما أحمد فيرى أن كثيرا من الشباب رجعوا من رحلة التنقيب بخيبة أمل كبيرة، وحسرة على ضياع أموال طائلة، ويُحَمِّلُ أحمد الحكومةَ مسؤولية ذلك، متهما إياها “ببيع الوهم لشبابها”!
جهود رسمية لتنظيم القطاع
ما إن رخصت الحكومة الموريتانية للتنقيب التقليدي عن الذهب، سنة 2016، وفتحت مناطق محدودة أمامه، حتى شهد هذا النشاط إقبالا منقطع النظير من طرف فئات عريضة من الموريتانيين، وازداد العدد سنة 2018، حين تم ترخيص استغلال منطقة “اگليب اندور” وتضاعف العدد حين تم فتح منطقة الشگات أمام المنقبين عن الذهب السطحي، في منطقة صنفت قبل وقت طويل منطقةً عسكرية مغلقة، تقدر مساحتها بـ 104 آلاف كلم مربع.
وقد قامت شركة معادن موريتانيا بـ”إعداد لوائح بالمنقبين عن الذهب بالأسماء والأرقام الوطنية وأماكن العمل، وحصر أبرز المشاكل التي تعترض العاملين في المجال وحلها، أو اقتراح حلول لها وبدء العمل على ذلك”، كما عملت على “إعداد تطبيق يعتمد على قاعدة بيانات تم إنجازها بالتعاون مع مصالح الجيش الوطني، تمكن من توفير المعلومات المطلوبة على مدار الساعة، وهو ما يضمن انسيابية العملية ويمكن من رقابة جيدة للعمل”، وأكدت توفيرها لـ”معدات وتجهيزات في مناطق التنقيب، ولاسيما المناطق ذات الكثافة العالية للمنقبين، وتجهيزات لتوفير بعض الخدمات الضرورية في مناطق التنقيب كالمياه الصالحة للشرب”.
ووفق وزير البترول والطاقة والمعادن، عبد السلام ولد محمد صالح، فقد تم اعتماد مقاربة تشاركية ينهض الجميع فيها بدوره، ويشارك في كل مراحلها تصورا وتخطيطا وتنفيذا؛ خدمة للوطن واعتمادا لأسس جديدة في العلاقة بين الجهة الرسمية والمستثمرين والمواطنين بشكل عام.
وأوضح المدير العام لشركة معادن موريتانيا، حمود ولد امحمد، أن حصيلة العمل خلال الأشهر الماضية شملت إنجاز دراسات؛ حددت الإشكالات والتحديات المطروحة، واقترحت حلولا لها، ونظمت زيارات ميدانية لكل مناطق التنقيب عن الذهب غطت 11 منطقة، فضلا عن تنظيم لقاءات مع كل الشركاء في العملية لتبادل الآراء معهم حول القطاع، والقيام بإحصاء دقيق لجميع الناشطين في مجال استخراج الذهب السطحي وتحديد مجالات عملهم وأماكن وجودهم.
مطالب السكان المحليين
قبل سنوات كانت مطالب السكان المحليين تقتصر على احترام المزارات التاريخية، والاستفادة من رخص التنقيب، وإقامة منشآت سياحية ومشاريع تساهم في تشجيع السكان على البقاء في أماكنهم الأصلية؛ كحفر الآبار الارتوازية، وبناء المدارس، فضلا عن توفير الأمن…
أما الآن فقد ارتفعت أصواتهم محذرة من خطورة المواد الكيميائية المستخدمة في تصفية الذهب من الحجارة على الإنسان والحيوان والمراعي، وتحدثوا إلينا عن نفوق عشرات المواشي بين الفينة والأخرى بسبب ذلك!
وقد كان للسكان المحليين الدورُ الأبرز في لفت السلطات المحلية إلى المحاولات الأولى للتنقيب اليدوي، حيث ظنوها في البداية تحركات للجماعات المسلحة أو عصابات التهريب…
انعكاسات إيجابية على المجتمع
مع دخول البلاد السوقَ العالمي لتصدير الذهب، واعتلائها مرتبة متقدمة ضمن منتجيه على مستوى القارة الإفريقية، أصبح التعدين الأهلي (غير الرسمي) يشكل نشاطا اقتصاديا ذا نتائجَ مباشرة على حياة الناشطين في مجاله في مساحات متفرقة بشمال ووسط وجنوب البلاد.
يستخدم العاملون في عمليات التنقيب السطحي عن المعدن النفيس وسائلَ بدائية، يقوم أغلبها على الخبرة في تتبع ما يسميه الموريتانيون بـ”عرق الذهب”، وعلى القيام بحفريات سطحية وعميقة، يُسْتَعَانُ فيها بأجهزةٍ بسيطةِ التقنيات في الكشف عن المعادن.
ويسهم التعدين الأهلي بنسبة كبرى في إنتاج الذهب، وقد فاق عددُ العاملين فيه وفي الأنشطة المصاحبة له 200 ألف نسمة.
ويؤكد اجتماعيون وبعض ناشطي منظمات المجتمع المدني، التقيناهم خلال إعداد هذا التحقيق، أن التعدين الأهلي أدى إلى تغيير حياة قطاعات عريضة، ورفع مستوى دخل العاملين فيه، وغَيَّرَ مستوى معيشتهم نحو الأفضل، سواء من حيث نمط حياتهم اليومية، أو من حيث تغيير خياراتهم في المعمار والسكن ووسائل النقل وغير ذلك، فضلا عن إسهامهم المباشر في إجمالي الناتج المحلي عبر بيعهم للذهب للبنك المركزي أو إحدى ممثلياته في تيرس زمور أو الشامي، وهذا ما تؤكده الأرقام الرسمية!
الذهب يتصدر العائدات من العملة الصعبة
تصدر الذهبُ عائداتِ موريتانيا من العملة الصعبة في 2020، متجاوزا بذلك الحديد والأسماك، التي ظلت تتصدر تلك العائدات طوال السنوات الماضية، وذلك حسب تقرير أرفقته وزارة المالية بمشروع قانون المالية لسنة 2021، حيث بلغت عائدات المعدن الأصفر 780 مليون دولار خلال السنة الحالية 2021.
وحسب الوزير الأول محمد ولد بِلال؛ فقد أنتج الاستخراج الحرفي للذهب في موريتانيا، خلال سنة 2020 ما يناهز 5،6 طن، بقيمة تزيد على مليار أوقية جديدة.
الوزير الأول، الذي كان يتحدث يوم 28 يناير 2021، مقدما حصيلة حكومته أمام أعضاء الجمعية الوطنية، أوضح أن الاستخراج الحرفي للذهب في العام المنصرم، خلق 45 ألف فرصة عمل مباشرة، وأزيد من 97 ألف فرصة عمل غير مباشرة.
وذكر ولد بِلال أن الحكومة أنشأت مركزي خِدْمات لمعالجة الصخور في مقاطعتي الشامي وازويرات، بالإضافة إلى 24 موقع استغلال حرفي للذهب، قبل أن تفتح منطقة “الشگات” مؤخرا أمام المنقبين.
وبحسب أرقام تقريبية، كشف عنها سابقا وزير النفط والطاقة والمعادن عبد السلام ولد محمد صالح، فإن القيمة المضافة لاستخراج الذهب السطحي بالبلاد بلغت 74 مليار أوقية سنة 2019، علما بأنه يتم بيع كميات من المعدن النفيس للبنك المركزي الموريتاني، في حين تتسرب كميات أخرى إلى السوق السوداء.
وكشف الوزير أيضا أن المبيعات خلال الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2020 ناهزت 5 أطنان من الذهب، أي ما يعادل ثلث إنتاج الشركات الكبرى العاملة في هذا المجال بموريتانيا، على غرار شركة “تازيازت”، مشيرا إلى غياب رقم محدد بخصوص رقم أعمال المنقبين حتى الآن.
وقدرت اللجنة الموريتانية للشفافية في الصناعات الاستخراجية، في تقريرها الأخير (إبريل 2017 – 2018) احتياطيَّ البلاد من الذهب بـ 25 مليون أونصة، إضافة إلى 900 مؤشر موثَّق للتعدين والمعادن، وهو ما يؤهل موريتانيا لأن تصبح فاعلا رئيسا في إنتاج الذهب على الصعيد العالمي.
نشاط اقتصادي موازي
خلق ازدحام آلاف المنقبين في مناطق محدودة نشاطا اقتصاديا محموما، سيقت بسببه قطعان المواشي من المناطق الشرقية إلى أقصى الشمال الموريتاني، حيث لامس سعر كيلو لحم الإبل سقف 5000 أوقية قديمة، فضلا عن المواد الغذائية الأخرى.
ولا تخفى حالة الرواج التي أنعشت أسواق مدن الشمال، التي يتردد المنقبون باستمرار بينها وبين مناطق التنقيب.
انعكاسات إيجابية في ظل الجائحة
كان تأثر النشاط الاقتصادي قويا، على المستوى الوطني، بفعل انعكاسات جائحة كوفيد 19، بعد الإجراءات الوقائية غير المسبوقة التي قِيمَ بها لتطويق انتشار الوباء، خاصة إجراءات الحجر الصحي العام، الذي أغلق الحدود البرية والجوية والطرق الرابطة بين المدن الرئيسية.
وهكذا سجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي انكماشا بنسبة 2,2 % عام 2020، بعد ما حقق نموا قُدِّرَ بـ 6,5 % عام 2019 .
واستنادا إلى التقرير السنوي للبنك المركزي الموريتاني، لعام 2020، فقد بلغ مستوى الاحتياطيات من الذهب الخام أكثر من 7 أطنان، تم شراؤها من العاملين في التنقيب السطحي عن الذهب، وهو ما يساوي 168 مليار أوقية، وسَتُدْرَجُ هذه الكميات لاحقا ضمن الاحتياطيات الخارجية من النقد الأجنبي، بعد معالجتها من طرف مخابر متخصصة، وصياغتها على شكل سبائك تراعي معايير الذهب النقدي.
وفي مقابلة أجرتها قناة “الموريتانية”، ليلة 04/08/2021، بمناسبة الذكرى الثانية لانتخاب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، قال وزير البترول والطاقة والمعادن عبد السلام ولد محمد صالح إن الشركة الموريتانية للصناعة والمناجم “اسنيم” حققت أرباحا غير مسبوقة في تاريخها، وصلت إلى 200 مليار أوقية قديمة، حصلت الدولة منها على 100 مليار أوقية، خلال عام 2021، وهو رقم قياسي.
واستفاد عمال الشركة 5,7 مليار أوقية من هذه الأرباح، على شكل زيادة في الرواتب والعلاوات.
وقد استثمرت خيرية “اسنيم” في عام 2020 بغلاف مالي وصل إلى مليار أوقية، وتخطط هذا العام لاستثمار 4,2 مليار أوقية في الولايات الثلاث (تيرس الزمور، آدرار، داخلت نواذيبو).
ولأول مرة منذ زمن بعيد، يضيف ولد عبد السلام، كان هنالك فائض في ميزان التجارة الخارجية للدولة خلال سنة 2020، وهو ما انعكس إيجابا على مخزون البنك المركزي من العملة الصعبة.
وتؤكد جهات رسمية عديدة أن إنتاج التنقيب الأهلي عن الذهب معتبر، لكن ليس هناك رقم دقيق يحدده؛ لأن نسبة منه يتم تهريبها مع الأسف.
كما أن الذهب، الذي يشتريه البنك المركزي من المنقبين، ليس بالضرورة هو الذهب النقدي، لأنه لا بد أن يمر بمراحل عديدة من التصفية، حتى يكون قابلا للاستخدام كنقد في السوق العالمية، أو في التعامل مع صندوق النقد الدولي أو البنوك المركزية الأخرى.
وفي جميع الأحوال فهذا الذهب يشكل إحدى سندات الأوقية، ويجعل موريتانيا في ظرف أحسن، وساهم في استقرار سعر الأوقية مقابل الدولار، وخفف – تبعا لذلك – من مستوى ارتفاع الأسعار الكبير، الذي كان يتوقع أن يكون أكبر مما هو عليه الآن، لو أن سعر صرف الأوقية تدهور كما كان يحصل في الماضي.
آثار سلبية مقلقة
ورغم ما لمسناه، خلال إعداد هذا التحقيق، من تغييرات اقتصادية إيجابية في حياة العاملين في قطاع التعدين الأهلي، إلا أننا رصدنا كذلك آثارا سلبية مقلقة لهذا النشاط، تبين منها – حتى الآن – ظهورُ بعض الأمراض والمشكلات الصحية المعقدة، الناتجة عن التعامل غير الرشيد مع مواد كيمياوية سامة مثل “السيانيد” و”الزئبق”، التي يستخدمها بعض المنقبين في تنقية معدن الذهب عند استخراجه حتى يصبح تجاريا وذا عائد عال، وقد أثار استخدام تلك المواد في معالجة الحجارة المشبعة بالذهب استياء السكان، خصوصا في شمال البلاد.
ويتجدد الجدل بين الفينة والأخرى في موريتانيا حول الأضرار التي يلحقها التنقيب التقليدي أو السطحي عن الذهب بالوسط البيئي، جراء استعمال المصانع والمنقبين مواد كيميائية في استخراج المعدن النفيس.
وقد أدى الإقبال الكثيف على أماكن التنقيب إلى حالة من “الفوضى وعدم الانضباط”، كان من نتائجها انهيار بعض الآبار على المنقبين، وتعرض بعضهم لإطلاق النار بسبب تجاوز حدود البلاد، أو الدخول إلى مناطق عسكرية محظورة.
ولا توجد إحصاءات دقيقة للخسائر البشرية الناتجة عن ذلك، لكن الجدل قائم بين مَن يُحَمِّلُ الدولة مسؤولية ذلك، ومن يرى أن للمنقبين ضلعا في المسؤولية بسبب خرقهم القوانين والنظم المعلنة.
وقد أثر توجه كثيرٍ من الناس إلى التنقيب السطحي عن الذهب على أداء قطاعات أخرى، منها الزراعة والرعي في بعض المناطق، علاوة على أضرار التجريف غير المقنن للتربة في مواقع التعدين غير الرسمي.
ويرى مراقبون أن المقابلة بين إيجابيات وسلبيات هذا النشاط الاقتصادي، الذي تزداد أهميته يوما بعد يوم، تقتضي المزيد من تقنينه دون توقيفه، وحث المؤسسات المالية المحلية على تمويل أنشطته، بعد توفير الضمانات الكافية لعدم تأثر القطاع المصرفي بأي آثار سلبية لأي عمليات تمويل غير آمنة، إضافة إلى تواصل إجراء البحوث والدراسات الاقتصادية والاجتماعية في هذا المجال للتعاطي من الآثار السلبية لهذا النشاط وتعزيز إيجابياته.