الجدل حول «التعريب والفرنَسة» يعود من جديد
عاد الجدل، القديم الحديث، حول المسألة اللغوية في موريتانيا مؤخراً إلى الواجهة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بعد إثارة موضوع لغات التدريس في الورشات التي نظمتها وزارة التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي، قبل أسابيع، في عواصم الولايات حول إصلاح التعليم.
فما إن أصدر المشاركون في الورشات توصيات بضرورة تدريس العلوم باللغة العربية باعتبارها لغة رسمية للبلاد، مع الاهتمام باللغات الوطنية ودمجها في نظام التعليم، وتدريس اللغات الأجنبية باعتبارها لغات انفتاح، حتى أعاد ذلك، الجدل حول اللغات في موريتانيا من جديد إلى الواجهة، إذ دعا رئيس حزب حركة التجديد، إبراهيما مختار صار، إلى “المحافظة على الفرنسية في التعليم، والإدارة، وإعادة بناء التعليم الوطني، بما يضمن تعليم اللهجات الوطنية، (البولارية، والسوننكية، والولفية)، وترسيمها”، بل وذهب إلى أبعد من ذلك، معتبرا أن استخدام اللغة العربية على حساب الفرنسية يهدد بإقصاء شرائح من الشعب الموريتاني”.
ولم يكن رأي رئيس حزب قوى التغيير (حركة “افلام”) سابقا، صمبا اتيام، ببعيد من هذا، حيث ساوى في مقال نشره بالمناسبة، بين اللغتين العربية والفرنسية باعتبارهما لغتين أجنبيتين على الطفل الموريتاني وليستا لغات أصلية.
ويبدو أن هذين الرأيين أغضبا المدافعين عن اللغة العربية داخل موريتانيا، حيث تساءل القيادي القومي محمد الكوري العربي في تدوينة له: “كيف تكون اللغة العربية أجنبية تماما مثل الفرنسية، بالمعنى البيداغوجي، أو بأي معنى، على الفلان والسونكى والوولف، كما زعم صامبا شام، والأطفال الموريتانيون، عربا وفلانا وزنوجا ومنذ قرون وقرون، يحفظون القرآن الكريم مبكرا في المحاظر أو على أيدي آبائهم أو على أيدي مدرسين له في البوادي والقرى، والجميع يستمع للأذان للصلاة خمس مرات في اليوم ثم الإقامة باللغة العربية؟! وهل توجد عنصرية أو تطرف أشنع من أن تصف شخصية حاملة للجنسية الوطنية، سياسية، مثقفة بمعنى لا عذر لها، اللغة الوطنية الرسمية لبلدها بالأجنبية؟!
وعلق رئيس حزب تواصل السابق جميل منصور، الذي دأب على محاولة مسك العصا من الوسط في موضوع الجدل حول اللغات، على مضمون مقال صمبا تيام، قائلاً: “ليس من المريح ولا المقبول جعل اللغة العربية مع اللغة الفرنسية في تصنيف واحد أو وصف مشترك، فالعربية لغة القرآن الكريم، وهي اللغة الرسمية للبلاد، وهي لغة إفريقية يتحدث بها ملايين الأفارقة، وهي لغة إخوة في الدين والوطن”.
ولكن القيادي بحزب اتحاد قوى التقدم، لوگورمو عبدول، أدلى برأي وُصف بـ”المتزن” في الجدل الدائر حول اللغات، حيث خاطب “المتعصبين” من الطرفين قائلاً: “سادتي المتطرفين من كل اتجاه، لن تفرضوا على شعبنا الحرب التي تتخيلونها بين لغاتنا، راجعوا أنفسكم وعودوا إلى صوابكم”.
واستطرد: “لغاتنا هي فخرنا وسنرفع تحدي تدريسها الكامل واستخدامها العلمي والإداري. في هذا السياق، ينبغي أن يتحدث كل موريتاني لغتين على الأقل، إحداهما العربية، لغة غالبية شعبنا، وطبعا فإن البولارية والولفية والسوننكية لن تستبعد. ستهبط الفرنسية تدريجيا إلى رتبة لغة أجنبية من الدرجة الأولى، وذلك بالنظر إلى تاريخنا وجوارنا وما تمثله أي لغة أجنبية من إضافة لتنمية أي بلد”.
ودعا لوگورمو لتجنب “تلويث النقاشات بالأحكام المسبقة، وتجاهل المعطيات التاريخية والفنية الموضوعية، والأنانية والعمى السياسي”، مضيفا أن الوحدة وحدها هي ما سيمكننا من النهوض من تخلفنا ومن رفع تحديات التنمية”.