لست في حلم.. لكن كل شيء تغير! غرفة كبيرة بها صفوف الحواسيب في مكان مكتب رئيس التحرير! ليس هنا بابا الغوث في جلسة تأمل صامت، ولن أجد منه ومضة دعابة على صرير قلم حبر سائل..
محمد الحافظ بن محم.. الرجل الطيب الدمث الخلق الذي لا يشعر التابع معه بأنه تابع، لم يعد مديرا للجريدة، وحراك المتعاونين النشط غاب، كما غاب إيقاع آلات الإبراق، فحل محلهما صمت الحواسيب وعملها الجامد الأخرس.
حتى كوخ الصفائح الخشبية (كونتر ابلاك) الأزرق المنتبذ مكانا قصيا في الركن الجنوبي الغربي، والذي كنا نتخذه مقهى ومنتدى، لا شاي به اليوم ولا “زريق” ولا طعام؛ بل ولا وجود له أصلا! ففي مكانه تنتصب نخلة ترتوي بما اختزنه المكان من زلال جلسائه، وتعبق بطيب أنفاسهم، وتتسمد بمواطئهم!
في أواخر عام 2019 دخلت المقر في مهمة بحثية بعد انقطاع عنه، فما وجدت أحدا ممن أعرفهم! تفرقوا أيدي سبا؛ فمنهم من قضى نحبه مأسوفا عليه، ومنهم من ينتظر؛ لكن في غير هذا المكان وهذا العمل. مدير الجريدة الحالي تزاملت وإياه هنا، ولكنه ليس في مكتبه، والمدير العام صديقي العزيز، لكني نسيته، فأيامي هنا لم أكن أتصور أن مدير تحرير جريدة البيان قد يصير المدير العام للوكالة الموريتانية للأنباء! ولا أستطيع اليوم تصديق ذلك وهو أمر واقع!
قاعة الأرشيف فقدت فوضاها الحلوة وغبارها الناعم.. مجلدات مرتبة ورقيا ومحوسبة من أول عدد..
هل مرايا دمشق تعرف وجهي؟!
لي هنا آثار متفرقة مخلتفة الألوان والطعوم، ترقد بهدوء وكأن شيئا لم يكن!
بطاقة صغيرة صادرة عن مدير الجريدة قبل 30 سنة كانت مفتاح مهمتي، فقد عاملني الشباب بلطف واحترام وسهلوا مهمتي فأنجزت في دقائق ما قدرت إنجازه في ساعتين على الأقل، وإن لم تفتني النظرة الكهفية التي يراني بها بعضهم وهم يتعاورون البطاقة التي حملتها فترة من حياتي ثم احتفظت بها للذكرى، وفي المثل “ما ايلم حد شي ما الحگ اعليه” ويقال إن المثل “لا يتغير ولا يكون كذبا”.