أصبحت كلمةُ “حوار” في دول العالم الثالث كلمةً مبتذلة، مثيرة للغيظ، شأنها في ذلك شأن أخواتها: “الإصلاح”، “محاربة الفساد”، “الحكامة الرشيدة”، وقائمة أخرى طويلة معروفة!
والواقع أن الحوارات السياسية التي أَفْضَتْ إلى نتائجَ مقبولةٍ، انعكست على الوئام الاجتماعي والرفاه الاقتصادي، في دولنا لا تكاد تُذْكَر.
ولَعَلَّ من المناسب أَنْ يبحثَ المدعوون هذه الأيام لِأُولَى الجِلْسَات التحضيرية للتشاور الوطني المرتقب – قبل كل شيء – في أسباب فشل الحوارات السياسية في بُلْداننا.
نُظِّمَتْ الحوارات الماضية (2006، و2012) في فترات انتقالية ومواسم انتخابية، وهو أَمْرٌ ربما ساهم في تضييق أُفُقِها، وقَصْرِ نتائجها على مكاسبَ حزبية آنية.
ورغم أن النتائج النظرية لتلك الحوارات كانت، في الجملة، مرضيةً، إلا أن مُخْرَجَاتِها لم تجد طريقَها إلى التنفيذ، فقد بقي نظامنا السياسي مَدنيا في ثوبه وشكله، عسكريا في جوهره ومضمونه، واستمر الاتفاق على إصلاح الإدارة والحكامة الرشيدة حِبْرًا على وَرَق!
من المهم أن نفهم أنه لا يُقصَد من الحوار إقناعُ الآخَرين بوجهة نَظَرِ مَن يحاورهم، ولا تغييرُ ما يؤمنون به ويعتقدونه، بل يَتَوَخَّى أساسا تصحيحَ سوء الفهم بين المتحاورين، ومَحْوَ الصُّوَرِ النَّمَطية التي يرسمها جهلُ بعضهم ببعض.
إن أسس الحوار الناجح راسخةٌ في ثقافتنا المحلية، وموروثنا الفقهي والعَقدي، ونحن الآن بحاجة ماسة إلى استلهام تلك الأسس، التي تُسندها اليوم وتَشُدُّ عَضُدَها ثقافةٌ عصرية سائدة.
بقى أخيرا تذكيرُ المعارضة بأن دعوةَ الحكومة لها إلى الحوار ليست دعوةً إلى تقاسم السلطة معها، وتنبيهُ الحكومة إلى أن قبولَ المعارضة للحوار ليس تزكيةً لها، ولا استقالةً من وظيفتها الأصلية في نقد الأوضاع القائمة والسياسات المتبعة!