تبث على الأثير مواد مختلفة منها المفرح ومنها المحزن، ومنها المعظم ومنها المستخف.. ولوصل شتاتها يتدخل الإنسان من آن لآخر مقدما ومعقبا، ومعلقا. وقد يستعرض المواد المنتظرة في فقرة مقررة سلفا، أو سدا للفراغ وتخلصا من ثوان أو دقائق خالية، والمذيع الموهوب يستطيع أن يسد الفراغ دون أن يشعر المتلقي، فإذا كانت دون نشرة الأخبار دقيقتان فارغتان يحسن أن يسوق فيهما نكتة أو قصة مناسبة، يسعفه في ذلك رصيده من مراجع الأدب إن كان ملما بها؛ بل حتى الصحف.
في كل الأحوال لا يليق بالمذيع أن يكون مجرد آلة خالية من أي شعور؛ فمن العار والعوار أن ينتقل مباشرة من خبر محزن إلى أغنية صاخبة، أو من هذه إلى تلاوة عطرة تستدعي الرهبة والخشوع.
بعض المذيعين المعاصرين يتلو بيان النعي بنبرته التي يتلو بها بلاغ السهرة الفنية، ويقفز من الضد إلى ضده بلا واسطة فيربك المتلقين ويصدمهم، وقد يكون السبب الأهم في ذلك أن النظرة السائدة بين القائمين على مؤسسات البث لا تريهم مهمة مذيع الربط أكبر من سد الفراغ بين لَبِنات المادة باختلاف أنواعها، والصحيح أنه يحتاج حصافة وتمثلا لما يسيره وبديهة لا تخذله؛ خصوصا في حالات الطوارئ، كأن تغيب المادة المقررة، أو يتعذر بثها، أو تتوقف في منتصف الطريق، أو تلتبس بغيرها، وقد يتغيب قارئ الأخبار أو يتعثر أثناء النشرة لسبب أو آخر، فيضطر مذيع الربط إلى إكمالها.. إلى غير ذلك من مواقف محرجة تستدعي مهارة وخبرة لا يستهان بهما، لتتحول من حرج إلى نكتة.