ولد حرمه ولد عبد الجليل: شُبهَات القرآنيين سببُها الجهل بلغة العرب وقواعد الاستدلال
المحرر الثقافي لموقع “إحاطة”
قال الأستاذ الشيخ إبراهيم ولد ابَّ ولد حرمه ولد عبد الجليل إن شبهاتِ مَن يُسَمَّوْنَ بـ”القرآنيين” ليست جديدة، بل وُجدت على امتداد التاريخ الإسلامي لدى بعض الفرق الإسلامية؛ كالشيعة والجهمية وصولا إلى القرآنيين.
وأكد الأستاذ الشيخ إبراهيم، في محاضرة نظمها “كرسي الحديث الشريف والسنة النبوية” بجامعة شنقيط العصرية مساء أمس الخميس، أن شُبَهَ القرآنيين حول السنة النبوية سببُها الجهل بلغة العرب وأساليبها في الخطاب، وكذا الجهل بقواعد الاستدلال.
وساق المحاضر أمثلة كثيرة على جهل هؤلاء بلغة العرب وأساليبها، ومن ذلك أنها تطلق العموم وتريد به الخصوص، وهذا قد يخفى حتى على بعض الصحابة، كما تدل له قصة نزول قوله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم)، فقد شَقَّ ذلك على الصحابة، وقالوا: وأينا لم يظلم نفسه؟ فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الظلم هنا عام مراد به الخصوص وهو الشرك بالله تعالى.
كما تُطلِق الخاص وتريد به العام، كما في قوله تعالى: (فلا تقل لهما أُفٍّ)، فالمراد به النهي عن عموم الإذاية.
وتطلق الظاهر وتريد به غير الظاهر، كما في قوله: (فاعبدوا ما شئتم من دونه)، وقوله: (اعملوا ما شئتم)، فالمراد بهما التهديد لا الأمر.
ونبه المحاضر إلى أن هذا مما خفي على بعض المعاصرين فَادَّعَى حرية الدين اغترارا بقوله تعالى: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، لكن الصيغ هنا واحدة لكن معانيها مختلفة.
وسرد المحاضر أمثلة أخرى لجهل القرآنيين بقواعد الاستدلال، فمن ذلك تعطيل المفهوم، كما في قوله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا)، فليس قَصْرُ الصلاة مختصا بالسفر والضرب في الأرض.
ومنه اعتبار المفهوم، كما في قوله: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم)، وقد عمل به أبو بكر رضي الله عنه؛ فقاتل المرتدين على منعهم الزكاة.
واستطرد المحاضر أمثلة كثيرة على جهل القرآنيين بقواعد الاستدلال؛ كوضع العموم موضع الخصوص، والخفي موضع الظاهر، والاعتبار موضوع التعطيل، والغفلة عن سوق المعلوم مساق المجهول…
وقال المحاضر إن أبرز شبه القرآنيين حول السنة أن القرآن لا يحتاج إلى بيان، وأنه كاف بنفسه، تمسكا منهم بقوله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء)، وقد بين المحاضر أنها شبهة ناشئة عن جهلٍ باللغة وقواعد الاستدلال؛ إذ أن دلالة القرآن على الأحكام إجمالية، بينما تتولى السنة بيان مجمله، وتخصيص عامه، وتقييد مطلقه، قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم)، وقد دل القرآن على وجوب الصلاة والصوم والحج دلالة إجمالية، لكنه لم يفصل ولم يبين عدد الصلوات ولا مواقيتها، ولا أنصبة الزكاة، ولا مقادير ما يخرج منها، ولا الأصناف التي تخرج منها، وكذلك الأمر في الحج، ولذا قال الشاطبي: ليس في السنة أمر إلا والقرآن قد دل على معناه دلالة إجمالية أو تفصيلية.
والشبهة الثانية أن السنة ليست وحيا من عند الله، مستدلين بأن النبي صلى الله عليه كان يجتهد ويعود عن اجتهاده، وأنه نهى عن كتابة السنة وأمر بكتابة القرآن.
ورد المحاضر على هذه الشبهة بأن القرآن دل على أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم وحي: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)، وغيرها من الآيات الكثيرة في هذا المعنى، أما الخلاف في اجتهاده صلى الله عليه وسلم فطويل عريض لا ثمرة فقهية له؛ لأن النصوص قطعية في هذا أنه صلى الله عليه وسلم مُشَرِّعٌ مُبَلِّغٌ عن ربه.
وخَلُصَ المحاضر في ختام محاضرته إلى أن القرآنيين يتلون لفظ القرآن ويحرفون معانيه، ولا يستدلون به بل يستدلون بتحريفه، محذرا من أن حالهم معه مثل حال أهل الكتاب مع كتبهم: (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون).
ولفت المحاضر إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر أمته من أمثال هؤلاء: “يوشكُ أحدُكم أن يُكذِّبَني وهو متكئٌ يحدثُ بحديثي فيقولُ : بيننا وبينَكم كتابُ اللهِ، فما وجدنا فيه من حلالٍ استحللناه وما وجدنا فيه من حرامٍ حرمناه، ألا إنَّ ما حرمَ رسولُ اللهِ مثلُ ما حرم اللهُ”، ومثله كثير.
ولفت المحاضر إلى أن القرآنيين يعتمدون منهج تجزئة الأدلة الشرعية، ويتعلقون بأي دليل كان، والمنهج الصحيح أن تُؤْخَذَ الشريعة كالصورة الواحدة كما قال الشاطبي.
وأشاد الأستاذ الفقيه محمد ولد بتار، في تعليقه على المحاضرة، بدقتها وعلميتها وشموليتها، واصفا شبهاتِ القرآنيين في هذه الأيام بأنها إحياءٌ لبدع وضلالات أماتها أهل العلم، وإعادةٌ لشبهات قديمة رد عليها العلماء، مشبها صنيعهم بما يسميه أهل البادية “رد المَنْكَس”.
وقال ولد بتار إن أبا حنيفة رد على الجهمية ضلالة إنكارهم لعذاب القبر، مستدلا بقوله تعالى: (سنعذبهم مرتين)، وقوله: (وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك)، كما أن الشافعي ناظرهم وضَمَّنَ رَدَّهُ عليهم في كتابه المعروف “جِمَاع العلم”، أما دعواهم أن السنة لا تعارض القرآن فيردها ما اتفق عليه أهل العلم من أن السنة تكون ناسخة للقرآن، والنسخ لا يكون إلا عن تعارض، وتكون مخصصة له، والتخصيص ناشئ عن التعارض كذلك.
تجدر الإشارة إلى أن المحاضرة ألقيت ضمن نشاطات “كرسي الحديث الشريف والسنة النبوية” بجامعة شنقيط العصرية في موسم المحاضرات للسنة الدراسية الجارية 2021 – 2022، وقدم لها الدكتور محمدن ولد حمينه.