الأخبار

ولد لبات والملف السوداني.. مهنية الوسيط في مواجهة رصاص المتحاربين (تحليل)

(إحاطة) منذ أيام ووسائل إعلام سودانية محسوبة على المعسكر الموالي للفريق عبد الفتاح البرهان تهاجم الدبلوماسي الموريتاني محمد الحسن ولد لبات، مدير ديوان رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، والناطق الرسمي باسم المفوضية، والواقع أن أوساطا إعلامية وسياسية مهتمة بالشأن السوداني لم تخف تفاجأها بهذا الموقف، “لما عرف به البروفيسور لبات من حُنُوٍّ على السودان”، وهو صاحب الوساطة الناجحة التي أسست للمرحلة الانتقالية في السودان، وكانت محل تقدير من جميع الأطراف السودانية والعربية والإفريقية والدولية، ورغم إدانة العديد من القوى والشخصيات السودانية لأسلوب التطاول على ولد لبات، إلا أن بعض تلك الأطراف لا يزال يصر على خطاب يفتقر إلى المسؤولية إزاء شخصية دبلوماسية وأكاديمية موريتانية مرموقة، تلعب دورا محوريا في قيادة مؤسسة الاتحاد الإفريقي.

الأسباب المباشرة والأسباب العميقة

عندما حاولنا البحث عن الأسباب المباشرة للتوتر الجديد في العلاقة بين مفوضية الاتحاد الإفريقي وحكومة البرهان، وقفنا على بيان صادر عن وزارة الخارجية السودانية، أدانت فيه بلغة وصفت بأنها “غير دبلوماسية” مقابلة رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي السيد موسى فكي لمستشار قائد الدعم السريع، يوسف عزت، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، في الثالث من سبتمبر الجاري، واعتبرت ذلك مخالفة واضحة لنظام وأعراف المنظمة.
لغة خطاب الخارجية السودانية ومضمونه تطلبت ردا من مفوضية الاتحاد الإفريقي، وُقع باسم الناطق الرسمي باسم المفوضية البروفيسور محمد الحسن لبات، جاء فيه: “نشرت بعض وسائل التواصل الاجتماعي أخيرا خطابا منحطا (استبدلت العبارة لاحقا بعبارة غير مسؤول)، يندد بمقابلة رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فكي، لمستشار الفريق محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع، وأخيرا تم توزيع المنشور من طرف سفارة السودان في أديس أبابا”، وأضاف ولد لبات في بيانه أن الاتحاد الإفريقي في مقاربته للأزمة السودانية يلتقي بكافة الأطراف المدنية والعسكرية والاجتماعية على اختلاف أنواعها بمن فيهم بعض دعائم النظام المخلوع سنة 2019، رغم الاعتراضات الشديدة لبعض القوى التي أطاحت بذلك النظام”، وأضاف: “قرارات وتوصيات مجلس السلم والأمن الإفريقي تطلب من رئيس المفوضية تكثيف الجهود مع كافة الأطراف بلا استثناء”. وقد ردت الخارجية السودانية ببيان آخر على بيان المفوضية، حمل هذه المرة شحنة سلبية من الشخصنة وعدم التوازن على نحو مستغرب جدا، وبدا كما لو أن أطرافا معينة داخل السودان لديها حسابات خاصة مع ولد لبات، وتحمل موقفه كناطق باسم المفوضية أكثر مما يحتمل، ومن الواضح أن البروفيسور محمد الحسن لبات ليس له رأي مستقل عن قيادة المنظمة، وإنما هو متحدث باسمها، تقيده قراراتها ومبادئها المؤسسة وتعليمات قادتها، فلماذا التطاول عليه بهذا الشكل، وهو الذي سعى في حقن دماء السودانيين، والتأسيس لحالة من الاستقرار والمنعة للسودان دولة وشعبا.
يحتج معسكر الفريق البرهان، المدعوم بقوة من قوى النظام السابق، التي تحاول أن تقتص من الثورة، والغاضبة من لبات كمنقذ للثورة من الانهيار سنة 2019 بالذرائع التالية:
ا. تعليق عضوية السودان: والحقيقة التي لا تخفى أن تعليق عضوية الدول قرار لمجلس الأمن والسلم، وهو حسب النصوص لا يعرف استثناء، كما حصل مع دول مالي وبوركينا فاسو وغينيا والنيجر والغابون… ولم تشذ عنه أي دولة حدث فيها انقلاب؛ مثل مصر 2013، وموريتانيا 2008. وعليه فالأمر يخص مجلس الأمن والسلم، وليس موجها بشكل كيدي ضد انقلاب البرهان وحلفائه.
ب. يزعمون أن الاتحاد الإفريقي، وولبات بالخصوص كناطق باسمه، أقصاهم من المشاورات المفضية إلى تنظيم الحوار، والحقيقة أن الاتحاد الإفريقي – حسب المراقبين – لم يدع حتى هذه اللحظة أي طرف أو مكون، لأنه ما زال عاكفا على بلورة الاقتراح الذي سيتقدم به كتابيا إلى الكل، كما جرت العادة في مثل هذه الحالات.
ج. الاحتجاج على استقبال رئيس المفوضية لممثل حميتي، والواقع أن قرار مجلس الأمن والسلم المعلق لعضوية للسودان يفرض على رئيس المفوضية التعامل النشط مع كل الفاعلين لبلورة مسلسل يفضي إلى اتفاق يرتب العودة إلى النظام الدستوري، وكل الذين يقاربون الأزمة يتحدثون عن أطراف متساوية: بدءا بالأوربيين والمصريين والقطريين، وانتهاء بمسار جدة، وليس في هذه الأطراف، رغم اختلاف مواقفها، من لا يتحدث عن أطراف متساوية.
ج. يقولون إن الاتحاد الإفريقي لم يندد بالفظائع المرتكبة، وهذا صحيح، لكن دور الاتحاد في هذه المرحلة هو وقف إطلاق النار، وتنظيم الحوار الذي سيحدد المسؤوليات، ويندد بما يراه جديرا بذلك.
إذن فاتهامات معسكر البرهان اتهامات غير مؤسسة، والمقصود منها ربما يكون تحميل مسؤولية فشل أصحابها في المعركة للاتحاد الإفريقي ليس إلا.

ملاحظات ختامية

من المؤسف جدا أن يستمر الاقتتال الداخلي في السودان الشقيق، وهو صراع أعمق مما نتصور، فمصدر الصراع وأساسه وجودُ تناقضين أساسيين: أولهما الصراع بين المركز والهامش منذ الاستقلال، والثاني الذي انضاف إليه هو الصراع بين نظام الإنقاذ ونظام الثورة، وهو ما يتطلب من جهات الوساطة القارية والإقليمية الوعي العميق بدقة الواقع وتعقيداته، وقد بات واضحا وجود اتفاق بين الاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيجاد على ثلاثية: وقف إطلاق النار، والتدخل الإنساني، وتنظيم حوار شامل للاتفاق على ترتيبات دستورية تؤسس لمرحلة انتقالية تسمح برفع التعليق عن البلد، وتأسيس حكومة وحدة وطنية، ووضع خطة لانتخابات عامة.
ومن المؤكد أن البروفيسور ولد لبات، الناطق باسم الاتحاد الإفريقي متشبث بالاتفاق الذي أشرف عليه سنة 2019، والذي تُعارض بقاءَه حكومة الفريق البرهان (راجع رسالة حكومة حمدوك إلى الأمين العام للأمم المتحدة تعترض فيها على حضور البرهان في الأمم المتحدة)، ولا شك أن موقف حكومة الثورة، التي أسس لها اتفاق ولد لبات، والمعارضة لانقلاب العسكر عليها، وتعاطفُ هذا الأخير مع اتفاق – هو صاحب مبادرته – أجج ضده أعداء الاتفاق المؤيدين للانقلاب عليه. وهذا هو بيت القصيد في حملتهم ضد ولد لبات الذي عرف السودانيون مهنيته واعتداله بين الأطراف، ليس فقط في السودان، بل عرفت ذلك بلدان عديدة قاد فيها مصالحات ناجحة بامتياز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى