”إحاطة“ تنشر نص مقابلة الرئيس غزواني مع مجلة الاقتصاد والأعمال
نشرت مجلة الاقتصاد والأعمال نص مقابلة أجرتها مع الرئيس محمد ولد الغزواني، تناولت عدة قضايا أساسية، من بينها التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، التي وجهته خلال ما مضى من مأموريته الأولى.
نص المقابلة
يقود الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بثقة وحزم موريتانيا نحو مرحلة جديدة من الحداثة والتحديث تتبنى الإصلاح الاقتصادي وفق رؤية واضحة قائمة على “التشاركية” لتكريس مفهوم الشراكة بين الدولة ومجتمع الأعمال والمستثمرين الخارجيين.
وتعتمد رؤية ولد الغزواني، وهو رجل دولة يزن كلماته بدقة قبل التلفظ بها، في جوهرها على بناء اقتصاد منتج يعول فيه على سواعد أبناء موريتانيا وعقولهم، في ما يعول على أن تكون الثروات الطبيعية التي تزخر بها البلاد حافزاً لتحقيق رفاه اجتماعي. هذه الرؤية ومحاورها استعرضها فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في حديث إلى “الاقتصاد والأعمال”. وكان للرئيس رأي صريح من القضايا الإقليمية وفي مقدمها موضوع الاتحاد المغاربي العربي.
كيف تنظرون إلى التحديات التي تواجه موريتانيا من خلال التحولات الجيوسياسية التي تجري في محيطها؟
نحن نعتقد أن التحديات في مسيرة الدول والشعوب شيء طبيعي، ولا يتوقع أن تنتهي. وندرك أن منطقتنا تعيش وضعاً استثنائياً منذ سنوات، على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. وقد أضيفت إليها في العامين الماضيين تحديات فرضتها جائحة كوفيد، طالت أيضاً مختلف جوانب حياة المواطنين. لكننا مع كل هذا، نعتقد أن كل تلك التحديات يمكن أن تتحول إلى فرص حقيقية للنهوض، ولبناء أنظمة اجتماعية واقتصادية وصحية وأمنية قوية، خصوصاً مع وجود رؤية واضحة لدينا، وتجربة يمكن البناء عليها، وتسارع الإنجازات التي تعمل عليها الحكومة.
لدينا تجربة في هذا الصدد، أعني في تحويل التحديات إلى فرص؛ فقبل أكثر من عقد من الزمن فرض علينا التحدي الإرهابي نفسه، (وكنت المسؤول المباشر وقتها). وكانت قدراتنا دون المستوى المطلوب. ولكننا استطعنا أن نضع مقاربة تحولنا بفضلها إلى محط أنظار للجميع، وإلى محل إشادة من الجميع. كانت مقاربة متكاملة مزجنا فيها الجوانب الفكرية والثقافية والدينية والأمنية والعسكرية. واستطعنا بفضل الله أن نحقق ما أردنا من تأمين للحدود، وتقليل للمخاطر في الداخل، وإبعاد شبابنا عن مستنقع الإرهاب والتطرف.
الاقتصاد وتداعيات كورونا
ما هي رؤيتكم لاقتصاد موريتانيا ورفع مستوى النمو؟
الحقيقة أن جائحة كورونا ومضاعفاتها غيرت زاوية النظرة إلى الاقتصاد، خصوصاً في الدول السائرة في طريق النمو. فبعد أن كان ينظر إلى المؤشرات الاقتصادية من خلال ارتفاع أرقام النمو، أصبح ينظر إلى المؤشرات من زاوية عدم الانخفاض. كنا ننتظر مع نهاية العام 2019 وبداية العام 2020 أن يكون النمو أكثر من 5 في المئة على سبيل المثال، ومنذ منتصف العام 2020 أصبح الهدف تقليل الخسائر، والحيلولة دون تحول الأرقام إلى سالبة. وتمكنا بالفعل من تثبيت الرقم عند انكماش بنحو 2.2 في المئة.
ومع بدء انحسار تداعيات الجائحة، أصبح الحديث عن تلافي آثارها على الاقتصاد بمحاولات الحد من التضخم، وإعادة خطوط الإستيراد والتصدير إلى طبيعتها ومستويات ما قبل الجائحة، ومن ثم العودة إلى الحديث عن معدلات النمو مبرراً، وأصبحنا الآن نتوقع نموا اقتصاديا بـ 7.5 في المئة في العام 2023.
إضافة إلى هذه المشاغل الاقتصادية العامة، فإن ما يستأثر باهتمامنا بشكل أكبر هو انعكاس هذه الأرقام على حياة الناس، خصوصاً ذوي الدخل المحدود. وفي هذا الإطار جاءت حزمة الإجراءات التي اتخذنا مع بداية الجائحة، والتي شملت إلغاء بعض الضرائب، وتوزيعات نقدية لصالح السكان الأكثر فقراً، بالإضافة إلى توفير خدمات الماء والكهرباء بشكل مجاني لقطاع عريض من ذوي الدخل المحدود. وقد كلفت هذه الإجراءات خزينة الدولة 25 مليار أوقية قديمة، كمساهمة في صندوق مواجهة الجائحة الذي بلغت مجمل وارداته 81 مليار أوقية. ثم حزمة الإجراءات التي أطلقنا بعد الموجة الأولى وهي بتكلفة 240 مليار أوقية قديمة على مدى 30 شهراً.
أردنا من جهة أخرى أن نحمي الاقتصاد والسير الطبيعي لبرامج التنمية من تقلبات الجائحة، فلم تؤثر حزم الإجراءات والمحافظ المالية التي أطلقنا لمواجهة الجائحة، ولا تلك التي أطلقنا للتخفيف من آثارها، على المشاريع التي كانت مخططة أصلا في الميزانية العامة للدولة.
استراتيجية من 4 محاور
بشكل أكثر تحديداً، ما هي إذن ملامح الاستراتيجية التي تعتمدون؟
ككل الاقتصادات السائرة في طريق النمو، يحتاج اقتصادنا استراتيجية متعددة الأبعاد متكاملة الأهداف، وبشيء من الاختصار يمكنني القول إن استراتيجيتنا تقوم على أربع دعامات رئيسية:
خلق فرص العمل، خاصة لدى الشباب؛ فما زلنا نطمح أن نصل إلى الهدف الذي وضعناه في البرنامج الانتخابي بتوفير 100 ألف فرصة عمل خلال خمس سنوات. اعتمدنا لذلك خطة أخذت في الحسبان تكوين الشباب ليكون ولوجهم لسوق العمل منتجا، ومؤثرا في الدورة الاقتصادية، وفي هذا السياق يأتي تأسيس المعاهد المهنية الجديدة، وتحسين أخرى كانت قائمة. ورغم الظروف الخاصة، تم حتى الآن توفير أكثر من 48 ألف فرصة عمل دائمة، وأكثر من 75 ألف فرصة عمل غير دائمة. وهو ما يعني أننا نقترب من الهدف المنشود.
تقوية الإنتاج المحلي، وقد قامت سياستنا على تحصيل الاكتفاء الذاتي في سلع استراتيجية كالأرز، والخضروات. ونحن الآن نقترب من الهدف فيما يتعلق بالأرز. إذ بلغت نسبة الاكتفاء الذاتي نحو 82 في المئة من احتياجاتنا، بجودة عالية. وتعمل وزارة الزراعة الآن بالتنسيق مع بقية القطاعات على تطوير العمل فيما يتعلق بزراعة الخضروات وتخزينها، ونخطط لقفزة مهمة في العام المقبل في مجال إنتاج الخضروات، سيقربنا من هدف الاكتفاء الذاتي. سنصل في الحملة الزراعية 2021-2022 إلى مستوى 250 ألف هكتار، ستوفر محاصيل تقدر بنحو 500 ألف طن.
دعم القطاع الخاص. إذ نعمل على تطويره عبر منحه فرصة تطوير شراكات مع القطاع العمومي، ودعم الاستثمارات النوعية لرجال أعمالنا، والتنسيق بين المصالح الحكومية واتحاد أرباب العمل، والتشاور في كل الإجراءات والتشريعات والنظم التي تخص المجال.
توفير بيئة جاذبة للاستثمار، وقد عملنا خلال العامين الماضيين على تطوير المنظومة القانونية الخاصة بهذا المجال، حتى أصبحت مدونة الاستثمار الوطنية، والقوانين ذات العلاقة، توفر كل الضمانات التي يطلبها المستثمرون. كما نتابع مع المصالح المعنية لتقديم كل التسهيلات للمستثمرين من القطاع الخاص، الوطني والعربي والأجنبي.
وجرى استحداث المجلس الأعلى للاستثمار، ووكالة لترقية الاستثمار، وإنشاء مديرية معنية بترقية الشراكة بين القطاعين العام والخاص. كل هذا لتسهيل الإجراءات الإدارية المتعلقة بالاستثمار.
اقتصاد منتج
وهل من توجّه جديد في ضوء القدرة على إنتاج كميات مهمة من الغاز؟
بالنسبة لكميات الغاز المنتظرة، فلا شك سيكون لها انعكاس كبير على ميزان المدفوعات، وعلى الاحتياطيات النقدية من العملات الصعبة. ومن شأنها أن تساهم في تخفيف أعباء المديونية، وعلى الدعم المباشر لميزانية الدولة، مما سيتيح مساحة أكبر للتحرك في مجال البنية التحتية الداعمة للنمو، وتمويل مشاريع محاربة الفقر، ويمكن من تحقيق رؤيتنا في العدالة الاجتماعية، ومحاربة الغبن.
وهي معطيات من شأنها أن تنعكس إيجاباً على التشغيل، ومحاربة البطالة، وستمكن من توفير طاقة داعمة للتصنيع، وتطوير المحتوى المحلي، عبر تطوير الشركات والمصانع.
قلت سابقاً إنني أريد للشعب الموريتاني اقتصاداً منتجاً قائماً على سواعد أبناء موريتانيا وعقولهم، ونريد لثرواتنا الطبيعية، ومنها الغاز والمعادن المختلفة أن تكون حافزاً لتحقيق رفاه معيشي قائم على الإنتاج.
نعمل على تنويع مصادر الطاقة عبر الاستثمار في طاقة المستقبل، وأعني الهدروجين الأخضر. فقد وقعت الحكومة في العام الحالي مذكرتي تفاهم للاستثمار في الهدروجين الأخضر (مشروعي: أمان، ونور). ونحن نمتلك مقدرات مناخية طبيعية بالإمكان اليوم بفضل التكنولوجيا تحويلها إلى طاقة بديلة، نظيفة، ومتجددة، ولدينا في هذا الصدد بعض التجارب الناجحة.
مرتكزات الإصلاح
ما هي أهم الإصلاحات الهيكلية التي ستقومون بها في المجال الاقتصادي؟
منذ وصولنا إلى السلطة أسسنا اتجاهات الإصلاحات الهيكلية التي تشرف عليها الحكومة على مرتكزين، المرتكز الأول هو “التشاركية”، وتعني بالنسبة لنا أن البناء الاقتصادي، يجب أن يكون شراكة بين الدولة، ممثلة بجهازها التنفيذي، والمجتمع ممثلا برجال أعماله، ومنظماته الاقتصادية، والمستثمرين الخارجيين، سواء كانوا دولا أو مؤسسات إقليمية ودولية، أو كانوا أفرادا لديهم دوافع للاستثمار في بلادنا.
المرتكز الثاني هو اللامركزية. فقد حسمنا بشأن اعتماد سياسة لا مركزية داعمة لهذه الرؤية التشاركية، حتى يتسنى للمرافق العمومية للدولة القيام بأدوارها كاملة في خدمة الشراكة مع القطاع الخاص والدول والمنظمات الشريكة، ويمنح ديناميكية أفضل للعمل، وتوزيعا أوسع للاستثمارات، ورأس المال المحلي والوافد.
ندرك أن مردودية هذه الاستراتيجية لن تكون سريعة بما قد يتطلع إليه المواطنون، وبعض الشركاء، لكننا واثقون من أنها ستعطي نتائج إيجابية جدا على المديين المتوسط والبعيد. وستحقق أهدافها في بناء الاقتصاد التكاملي الذي نسعى إليه، والذي تنعكس أرقامه مباشرة على حياة المواطن، ويعود بالنفع على البلد، والمنطقة.
الصحة والتعليم
هل أنتم راضون عن مؤشرات التنمية البشرية (الصحة والتعليم)؟
بطبيعة الحال نحن غير راضين عن هذه المؤشرات. لكن لو طرحنا السؤال، بطريقة أخرى فقد تكون الإجابة أوضح، هل نحن راضون عن الجهد الذي بذل ويبذل في سبيل تطوير هذه المؤشرات؟
يمكنني القول إن الصعوبات التي واجهتنا في هذين المجالين هي الأكثر تعقيداً. فهما يعانيان من تراكمات طويلة امتزج فيها الفساد بالإهمال، وقد استفدنا من جائحة كوفيد في تحسين واقع المنظومة الصحية، على مستوى التجهيز، والتوسيع. كما قمنا ببعض الخطوات في سبيل تحسين ظروف العاملين في هذا المجال، عبر زيادة الرواتب والعلاوات. وكلها خطوات ستساهم في تحسين الخدمة المقدمة إلى المواطن في المستشفيات العمومية والمراكز الصحية.
لقد عملنا على تحسين انعكاس هذه التحسينات على حياة المواطن. واعتمدنا حزمة من الإجراءات، منها التكفل بالحوامل، ومجانية الإنعاش، والتكفل بمرضى الفشل الكلوي، هذا علاوة على تأمين مئة ألف أسرة، وهو ما يقارب 620 ألف مواطن موريتاني كلهم من ذوي الدخل المحدود.
وفيما يخص المؤشرات فيما يتعلق بالتعليم؛ فقد كان هدفنا أن نخصص للتعليم عشرين بالمئة من ميزانية الدولة، عبر الرفع التدريجي لهذه المخصصات على مدى سنوات المأمورية الخمس، وقد وصلت هذه المخصصات في مشروع ميزانية العام 2021 إلى 18 في المئة، خصصنا هذه الزيادة لتحسين ظروف الأسرة التربوية، عبر زيادة الرواتب والعلاوات، وزيادة الكادر البشري عبر اكتتاب 6 آلاف مدرس. هذا مع استثمار كبير في البنية التحتية وفي الكتاب المدرسي.
نأمل أن يلعب المجلس الأعلى للتعليم، الذي أسسناه، دورا استراتيجيا مثمرا خلال السنوات المقبلة. أشرفت قبل أسابيع على إطلاق تشاور وطني لإصلاح النظام التعليمي، وقد صدر عن التشاور تقرير نأمل أن يؤدي دوراً محورياً في بناء نظام تعليمي قوي وفاعل.
ننتظر أن ينعكس هذا الجهد الجيد، الذي نؤكد أنه أقل من طموحنا، على المؤشرات في هذين المجالين الحيويين، وندرك أن الإصلاح في هذين القطاعين يحتاج وقتا طويلا لظهور النتائج، ومع ذلك أصبح جليا في عيون المراقبين مدى التطور الحاصل.
الحوكمة ومكافحة الفساد
ما هي الخطوات التي تتخذونها لتحسين الحوكمة في القطاع العام وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد؟
قلت في أكثر من مناسبة إن الفساد داء عضال، وإن مواردنا المحدودة لا تتحمل أن تذهب حصة منها إلى غير ما هي مرصودة له. وقلت، وأكررها عبر منبركم الكريم، إنني لن أحمي مختلساً لأموال الشعب الموريتاني أو متلاعباً بمواردنا العمومية، وسنطبق كافة القوانين المتعلقة بمحاربة الفساد.
رؤيتنا لمحاربة الفساد وتعزيز الشفافية تعتمد على موجهات أساسية. أولها، تكريس مبدأ فصل السلطات المحمي دستورياً، وذلك بمنح السلطات القضائية والرقابية كامل استقلاليتها في حماية المال العمومي وفق الضوابط القانونية المعمول بها.
وتفعيل الهيئات الرقابية التي تمتلك السلطة التنفيذية حق الوصاية عليها، كمفتشية الدولة.
نحن فعلاً نبتعد عن الطرق الاستعراضية في محاربة الفساد، ونعتقد أن الفاعلية تنافي الضجيج أحيانا كثيرة. وأن تسييس القضايا الفنية مضر بالدول والمجتمعات.
وجهّنا أيضاً إلى وضع معايير للترقية داخل الإدارة العمومية، والفصل بين الوظائف الفنية والسياسية، ونعمل جاهدين لتطوير الإدارة، وتقريبها من المواطن، وتحسين أداء أطرها عبر التكوين المستمر.
إصلاح القضاء
هل من مشروع لديكم لإصلاح القضاء؟
بحكم موقعنا كحام للدستور، ومؤتمن عليه، فإن حماية استقلالية القضاء تمثل إحدى الواجبات الشخصية التي ينيطها بي الدستور والقوانين، ولذلك فقد عملنا على تحسين بيئة عمل القاضي، وتوفير الظروف المادية والمعنوية لأداء مهمته على الوجه المطلوب.
إن قضاءنا يعاني من تراكمات طويلة تجعل مهمتنا صعبة، ولكننا نصر على أن يتمتع بتلك الاستقلالية كاملة.
ولذا فحين أحيل تقرير لجنة التحقيق البرلمانية إلى القضاء، وكان ضمن المعنيين بالملف بعض المسؤولين العاملين في الحكومة اضطررنا إلى إخراجهم من وظائفهم، رغم الحاجة إلى خبراتهم، وذلك ليتفرغوا للدفاع عن أنفسهم، ولتخف الضغوط على القضاة الذين سيتعاملون مع الملفات.
ما هي استراتيجيتكم لإقامة بيئة استثمارية وتحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمار الخارجي؟
نأمل أن يكون كلما ذكرنا سابقاً، من عمل على تطوير البنية التحتية الداعمة للإنتاج، ومقاربة متكاملة في المجالات التشريعية، والتوجهات الاقتصادية الكبرى المتعلقة بالإنتاجية، والشراكة مع القطاع الخاص، علاوة على فرص الاستثمار في الثروات الطبيعية، وتعزيز استقلالية القضاء. نأمل أن يكون كل ذلك تأسيساً استراتيجياً لمناخ استثماري مستقر، وآمن، ومطمئن في نفس الوقت.
احتفلتم قبل أيام بعيد استقلال بلادكم الـ61 كيف تقيمون مواكبة رأس المال العربي لمسار التنمية في موريتانيا؟
شكراً لكم على هذا السؤال. واكب رأس المال العربي الحكومي والخاص مسار التنمية في بلادنا منذ نشأة الدولة، وفي مختلف المجالات الاقتصادية الاجتماعية سواء عبر المساهمة في تشييد البنية التحتية للبلد، أو إقامة المشاريع الحيوية ذات المردودية الكبيرة، وظل يواكب مسارنا التنموي حتى اليوم.
إن هذه فرصة لشكر كل أشقائنا العرب، على ما قدموا ويقدمون لاقتصاد بلادنا، وأخص بالذكر أشقاءنا في المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والكويت.
اليوم الوطني في إكسبو دبي
لدى موريتانيا جناح خاص بمعرض “إكسبو” دبي 2020، وسيكون لديها يوم وطني في المعرض إلى أي مدى تعولون على هذا المعرض في جلب الاستثمار لبلدكم؟
معرض “أكسبو دبي” حدث عالمي كبير، وتنظيمه لأول مرة في دولة عربية فرصة نادرة، قررنا الاستفادة منها إلى أبعد الحدود. إن تنظيمه في دولة الإمارات العربية المتحدة يجعله أيضاً حدثاً خاصاً بالنسبة لبلادنا، تبعاً للعلاقات المتجذرة بين البلدين، ومستوى التطور الكبير الذي تشهده.
فمنذ زيارة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله لبلادنا في العام 1971 والعلاقات بيننا تنمو وتتعزز. والاستثمارات الإماراتية في بلادنا كبيرة، ومثمرة، علاوة على الدعم السخي الذي تقدمه الإمارات لبلادنا، والذي كان آخره الموقف الأخوي المتميز أثناء جائحة كورونا.
بالنسبة للمشاركة فنحن نعول عليها كثيرا كمنصة غير مسبوقة لعرض مواردنا الثرية وآفاقنا الواعدة، وجلب المزيد من الاستثمارات لبلادنا، وكل الحوافز التي نقدم للمستثمرين ستجد فرصة للتعريف بها هناك. إن ثروات بلادنا، وموقعها الجغرافي، ومنظومتها القانونية، وأمنها المستقر، والاتفاقيات التي تربطها بالدول والمنظمات الإفريقية، تجعل منها مركزا مهما لاستقبال رأس المال العربي والأجنبي الراغب في بيئة استثمارية مستقرة ومحفزة، وقريبة من الأسواق الكبيرة.
هل من دور لموريتانيا في التقارب العربي -الإفريقي؟
بحكم موقعنا وتاريخنا، فقد ظلت بلادنا تمثل جسر تواصل، وحلقة الوصل التي لا غنى عنها، بين العالم العربي وإفريقيا، فقد كانت بلادنا ترجمانا للثقافة العربية الإسلامية إلى إفريقيا، وجسراً لعبور الثقافة الإفريقية إلى العالم العربي. إن تنوعنا الديمغرافي، وموقعنا الجغرافي، وتكويننا التاريخي يعطينا إمكانية لعب هذا الدور، ويمنحنا هذه المكانة، ونحن مدركون لقيمتها الاستراتيجية، ومردودها المعنوي والمادي.
ومسؤوليتي كرئيس لبلد بهذه الخصائص وهذا التاريخ، هو تعزيز هذه المكانة، وترسيخ هذه المعاني، ونحن بلد عربي إفريقي يعتز بانتمائه العربي ويفتخر ببعده الإفريقي، وسنستثمر كل ذلك لما فيه خير المنطقة والعالم.
اتحاد المغرب العربي
كيف يمكن إعادة الروح والنشاط إلى اتحاد المغرب العربي؟
لا يمكن تصور حجم الكلفة التي تدفعها شعوب المنطقة جراء عدم قيام اتحاد مغاربي قوي وفعال ومتكامل. ونحن ندرك الصعوبات التي تواجه هذا الحلم، ونأسف للعقبات التي تقف في طريقه، كما نحن قلقون من عوامل التوتر التي تظهر من حين لآخر، ونعبر بشكل دائم عن أن بلادنا يمكن أن تلعب دورا رئيسيا في استعادة اللحمة بين البلدان المغاربية، وقد ظلت مواقفنا تصب في هذا الاتجاه دائما.
أملنا أن يأتي اليوم الذي تعود اللحمة إلى اتحاد المغرب العربي، وهو أمل يعيش عليه كل مواطني هذه المنطقة والمسؤولين فيها، ولا شك أنه سيتحقق يوما ما، بفضل إرادة قادة هذه البلدان، وقدرتهم على تطويق الخلافات، وتحقيق التكامل المنشود، تحقيقا لإرادة الشعوب، وتجسيدا لأحلام الآباء المؤسسين.
المصدر: مجلة الاقتصاد والأعمال