“مراعاةُ الخلاف” قاعدةٌ معروفة في الموروث الفقهي المالكي، ومن أشهر تطبيقاتها قراءةُ البسملة في الصلاة، فَعَدَمُهَا مبطلٌ للصلاة عند الشافعي؛ لأنه يراها آيةً من الفاتحة، ولم ير مالك قراءتها في الصلاة للآثار التي ثبتت عنده عن بعض الصحابة في ذلك.
وقد رأى محققو المالكية قراءتَها مراعاةً للخلاف؛ إذ “صلاةٌ يتفقان على صحتها خَيْرٌ من صلاة يختلفان فيها”!
كثيرا ما يكون الجُنُوحُ إلى التوافق وتَجَنُّبُ الصراع السياسي أَوْلَى – في بعض الأحيان – مِن الأخذ بحكم الأغلبية، “مراعاة لرأي الأقلية وإشراكا لها في الشأن العام، وهو أسلوب معمول به في بعض الديمقراطيات العريقة، مثل: سويسرا، وألمانيا، والدانمرك، والسويد، وبلجيكا.
وكان جديرا بالأغلبية، وقد قَطَعَ نظامُها شوطا في التهدئة السياسية، أَنْ تَتَجَنَّبَ عودةَ الصراع السياسي، وتُقَدِّمَ أسلوبَ التوافق والتشاور، وتدعو إلى تأجيل التصويت على القانون المثير للجدل، حتى يَتِمَّ التوصلُ إلى صيغة متفق عليها.
لقد وجدت الجماهيرُ، في الأعوام الأخيرة، في وسائل التواصل الاجتماعي وسيلةً لكشف الفساد، وإبلاغ المظالم، وفضح الانتهاكات، وأصبح المفسدون – بسببها – يلتفتون إلى كل جهة قبل الإقدامِ على الفساد!
وهو أمر يُفَسِّرُ الرفض العريضَ لـ”قانون الرموز”، فالجماهير تخشى فِقْدَانَ مكاسبَ ليست مِن كَدِّ الحكومات ولا كَدِّ أبيها.
ومهما يكن من أَمْرٍ فإنّ محاولةَ تكميم الأفواه بـالقانون المذكور، في عصر طوفان الإعلام الجديد، تُشْبِهُ فِعْلَ الغَابِرَةِ التي أغلقت الحظيرةَ على الغربان فطارتْ مِن فَضَائها!
ما من شك في أن الحاجةَ مَاسَّةٌ إلى سَنِّ قانونٍ يُنَظِّمُ فوضى الحرياتِ التي أطلقتها وسائل التواصل الجديدة، وزادها جُمُوحًا وطُغْيَانا طبيعتُنا البدوية التي لا تعرف النظام والقيود.
وليت المعارضةَ قَدّمت مقترحاتٍ لتعديل القانون بدل رفضه جملة وتفصيلا، فَتُسْهِمَ بذلك في ما يعنيها من إرساء جَوِّ التهدئة، وبَثِّ روح التوافق، ولا تُتَّهَمَ من البعض – حيتئذ – بأنها عارضت القانون تعويضا لغيابها الطويل عن الساحة، وإثباتا لوجودها بعد سُبَاتٍ طويل!
تواجهنا تحدياتٌ كبيرة وكثيرة، منها: الفساد، والفقر، وسوء الخِدْمات في التعليم والصحة، وتَصَدُّعِ اللُّحْمَة الاجتماعية… ونحن أَحْوَجُ في سبيل مواجهة تلك التحديات إلى التوافق، والحوار، والتهدئة، وإبعاد الصراع، وإشراك الجميع في رسم السياسات العامة.