أنفقتُ بعض الوقت في البحث عن مكونات الجهاز الرقابي على الأموال العمومية عندنا، ثم قارنته بِشَبِيهِهِ لدى جيراننا فأذهلتني النتيجة.. لا يوجد لهذا الجهاز مثيلٌ في المنطقة من حيث العَدَد والعُدَّة، أما الغَنَاءُ والجدوى فتلك قصة أخرى!
إليك تَرْسَانَة المؤسسات التي عُهِدَ إليها برقابة المال العام، ومحاربة اختلاسه وسوء تسييره، ولعلك تستغرب مثلي أن توجد مثلُ هذه القائمة في بَلَدٍ ثم يَتَجَرَّأ مسؤولٌ على أن يَرْزَأَ شيئا من المال العام!
- محكمة الحسابات، هيئة دستورية، أنشئت بموجب المادة 68 من دستور 20 يوليو 1991؛
- المفتشية العامة للدولة: أنشئت بموجب المرسوم رقم: 122/ 2005، بتاريخ: 19 سبتمبر 2005؛
- المفتشية العامة للمالية: أنشئت بموجب المرسوم رقم: 033/ 83، بتاريخ: 1983؛
- الرقابة المالية: أنشئت بموجب المرسوم رقم: 043/ 62، بتاريخ: 22 يناير 1962؛
- المفتشيات القطاعية (الرقابة الداخلية) الخاضعة في تسييرها للمواد 5 و6 من المرسوم رقم: 075/ 93، بتاريخ: 6 يونيو 1993؛
- سلطة تنظيم الصفقات العمومية: أنشئت بموجب المرسوم: 111/ 2011، بتاريخ: 8 مايو 2011؛
- اللجنة الوطنية لرقابة الصفقات العمومية: أنشئت بموجب المرسوم رقم: 179/ 2011، بتاريخ: 7 يوليو 2011؛
ليس هذا فقط، بل هناك متدخلون آخرون في محاربة الفساد واختلاس المال العام، مثل:
– الإدارة المركزية لمحاربة الجريمة الاقتصادية والمالية: أنشئت بموجب المرسوم رقم: 067/ 2004، بتاريخ: 25 يوليو 2004؛
– ولجنة تحليل المعلومات المالية، والتي تحولت إلى وحدة التحقيق المالي في موريتانيا بموجب القانون: 017/ 2019، المتعلق بمحاربة تبييض الأموال ومحاربة الإرهاب؛
– واللجان البرلمانية المختصة؛
– والمجتمع المدني، ويمثله “المرصد الموريتاني لمكافحة الرشوة”، الذي تأسس وفقا للفقرة 44 من الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الرشوة، المعتمدة في 9 دجمبر 2010.
هل اكتفيتَ أم أزيدك؟!
لم يقتصر الأمر على هذا، بل صادق البلد على جميع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمحاربة الفساد واختلاس المال العام، ولعل الكثيرين لا يعلمون أن البلدَ هو رائدُ إطلاق مبادرة الشفافية في قطاع الصيد!
ومن الاتفاقيات التي صادقت عليها البلاد في هذا المجال:
- اتفاقية الأمم المتحدة ضد الرشوة، واتفاقية الاتحاد الإفريقي ضد الرشوة كذلك؛
- الانتساب لمبادرة الشفافية حول الصناعات الاستخراجية؛
- المصادقة على قانون الشفافية المالية (إلزامية التصريح بالممتلكات)؛
- اعتماد الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الرشوة؛
- المصادقة على القانون التوجيهي للاستراتيجية الوطنية لمحاربة الرشوة؛
- المصادقة على القانون المتعلق بتبييض الأموال ومحاربة الإرهاب؛
- المصادقة على قانون 2016 المتعلق بمحاربة الرشوة؛
- الريادة في إطلاق مبادرة الشفافية في قطاع الصيد.
لم تُغْنِ هذه التَّرْسانة المؤسسية والقانونية الضخمة عنا شيئا، ولم تُرْهِب الفسادَ والمفسدين، فضلا عن أَنْ تَحْمِلَهُمْ إلى السجون، أو تَسْتَرِدَّ ما بأيديهم من مسروقات، لكن بعض الدول المجاورة لنا جنوبا وشمالا لم تحتج سوى لِأَقَلَّ من رُبُعِ هذه التَّرْسانة لِتَصِيرَ مثالا يُحتذى في الحَكَامة الرشيدة والإنفاق السَّدِيدِ للمال العام، وقد اقتادت بذلك كثيرا من الفاسدين إلى سجونٍ سيمكث فيها بعضُهم بقيةَ عمره.
ذَكَّرَني شأنهم وشأننا بقول المتنبي:
تَلْقَى الحُسَامَ على جَرَاءَةِ حَدِّهَ ** مثل الجبان بِكَفِّ كُلِّ جَبَانِ
لم نَزِدْ على أَنْ جعلنا هذا الجهازَ الرقابي الفريد من نوعه ديكورا نتودد به إلى الممولين، ونستجديهم به في المحافل الدولية، ورغم ذلك فقد نال جيرانُنا من استثماراتهم وثقتهم ما لم نَنَلْ معشاره!
ولَعَلَّ الجميع قرأ قبل أيام خَبَرَ شُرُوعِ “شركة موانئ دبي العالمية” في بناء ميناءٍ في المياه العميقة السنغالية بتكلفة 1.13 مليار دولار، وهو مشروع عَرَضَتْهُ الشركة العملاقة على الحكومة الموريتانية قبل سنوات، ثم نفضت يديها منه حين بدأ المسؤولون الموريتانيون يتساءلون عن العُمُولات الشخصية التي سيستفيدونها في حال الموافقة، فخسرت البلاد بسبب جَشَعِهِمْ كثيرا من فرص العمل وأسباب الازدهار الاقتصادي!