“قانون الرموز” عنوان لنقاش ساخن على الشبكات الاجتماعية
أثار “قانون حماية الرموز الوطنية وتجريم المساس بهيبة الدولة وشرف المواطن”، المعروف اختصاراً بـ”قانون الرموز”، الذي صادق عليه البرلمان الموريتاني مساء يوم الثلاثاء، اهتمام المدونين والناشطين الموريتانيين على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان مادة دسمة لنقاش ساخن ومستفيض لعدة أيام.
وتميز النقاش العام حول “قانون الرموز”، على الشبكات الاجتماعية بميزة قلّما تتأتى للمواضيع والإشكالات التي تثار عادة على مواقع التواصل وتكون مجالا للتداول، وهي أن الجميع انخرط في النقاش حول القانون، سواء في ذلك البرلمانيون، والسياسيون، والمحامون، والمثقفون، والمدنون العاديون، وعامة المواطنين.
وانقسمت الآراء حول القانون إلى فسطاطين، فسطاط المعارضين للقانون، الذين يرون فيه وسيلة لتكميم الأفواه، وحماية المسؤولين من الرقابة على أعمالهم، ويتزعمه نواب المعارضة في البرلمان، يدعمهم في ذلك بعض ناشطي الحركات الشبابية المعارضة أيضاً.
أما الفسطاط الثاني المؤيد للقانون، والذي يرى فيه تعزيزاً لهيبة الدولة، ووسيلة لحماية الأعراض، وردع دعاة الفتن والتفرقة والفوضى، فَيَحْمِلُ لواءَه نواب الأغلبية في البرلمان الموريتاني، وبعض الناشطين والمدونين الموالين للنظام.
ولم يدخر النواب المعارضون للقانون جهداً في انتقاد القانون وإبراز مساوئه، ففضلاً عما حوته مداخلاتهم أثناء جلسات نقاش القانون، قُبيل التصويت عليه، دَوّن هؤلاء مبدين معارضهم للتصويت على القانون، وإجازة البرلمان له.
وكتب النائب عن حزب “التكتل” العيد ولد محمدن، واصفا القانون بأنه “انتكاسة خطيرة للحريات، ويعيد بلادنا إلى المربع الأول (من القمع) بل وأشد”.
وتابع: “على الطيف السياسي والحقوقي أن يعبر – بشكل لا يقبل التأويل – عن معارضته للقانون قبل فوات الأوان”.
وعلى نفس المنوال والمنحى، كتب النائب عن حزب تواصل المعارض محمد ولد محمد امبارك، رافضا القانون: “لا لقانون الرموز الذي يكمم الأفواه، التعبير عن الرأي حق يكفله الدستور والقانون وليس جريمة”.
إلا أن نواب الأغلبية الحاكمة كان لهم رأي مغاير، فكتب النائب جمال ولد اليدالي، رئيس محكمة العدل السامية، ما اعتبره توضيحا للقانون، مستعرضا مواده والتعديلات التي أدخلت عليه، معتبرا أن التوضيح جاء “نظرا لما تَعُجُّ به وسائل الإعلام المختلفة منذ فترة من أحكام مسبقة، ومعلومات مجتزأة حول نص القانون وملابسات نقاشه على مستوى الجمعية الوطنية”.
وتابع ولد اليدالي في تدوينته: “إن المتتبع المشفق لما تشهده الساحة الإعلامية الوطنية بمختلف وسائطها منذ سنوات من تطاول على المقدسات، وانتهاك لخصوصيات الناس وأعراضهم، وحملات سب وشتم ذات طابع جهوي وعنصري وفئوي، يدرك بكل موضوعية أن هذا النص جاء ليلبي حاجة وطنية ملحة لحماية المقدسات، وصيانة أعراض الناس، والمحافظة على السلم الأهلي”.
أما النائب ابّاب ولد بنيوك، فقد رأى في تدوينة له في ذات السياق، أن القانون “يضع حدا فاصلا بين النقد من جهة، ومن جهة أخرى المساس بهيبة الدولة ورموزها وأمنها ووحدة مكوناتها وخصوصيات المواطن وشرفه”.
كما أنه – يقول ولد بنيوك -: “ينظم الحوار والنقاش، ويمنع بعض مرتادي هذا الفضاء أن يفرضوا علينا أسلوبهم في النقاش، القائم على القدح والذم في أعراض الناس وحياتهم واتهامهم زورا وبهتانا”.
واعتبر ولد بنيوك أن القانون جاء لـ”ضبط فضاءات الإعلام وتنظيفها، وإتاحة الفرصة للجميع للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي، دون أن يكون عرضة للشتم والسب”.
أما الإعلامي المعارض، أحمدو ولد الوديعه، فقد اعتبر أن “إصرار نظام غزواني على تمرير قانون الإرهاب (الرموز) متصامما عن دعوات تتالت من بعض المخلصين والمشفقين، والمراهنين، يجلي البعد الأهم في طبيعة نظامٍ يقدر من يسير في الركب فقط عندما يكون مخلصا في تزلفه، ويعتبر أي عدول عن ذلك “سلوكا “مريبا يحتاج صاحبه للخضوع لمسطرة “التعدي على الرموز”، حسب تعبيره.
وكتب المستشار السابق بوزارة العدل، أحمد ولد هارون ولد الشيخ سيديا، معلقا على القانون: “لا ينقضي عجبي من ارتكاب هذا الخطأ السياسي المجاني الفادح المسمى “قانون الرموز”، فأي فائدة فيه: سياسية، أو قانونية، أو أخلاقية، أو حتى شخصية”؟
أما المحامي، الناشط على مواقع التواصل، محمد المامي ولد مولاي اعل، المعروف باستدراكاته ومتابعته لتنزيل النصوص القانونية والقرارات الرسمية على أرض الواقع، فلم يكن لِيُفَوِّتَ فرصةً كهذه للإدلاء برأيه القانوني حول مضمون مواد “قانون الرموز”، وهكذا ذهب في الرأي إلى أبعد ممن سبقوه، معتبرا أن المسائل التي جاء القانون ليعاقب عليها كانت مفصلة بشكل أدق في قوانين أخرى نافذة، مثل: القانون الجنائي، وقانون الجريمة السيبرانية، وقانون تجريم التمييز، وقانون الصحافة.
وحسب ولد محمد المامي “فالقانون إذن لم يأت بجديد سوى تجريم إهانة العَلَم، وهذه نتفق عليها، ثم تجريم المساس برئيس الجمهورية والمسؤولين، ومنع تصوير أفراد الأمن أثناء أداء مهامهم، وهذه هي محل النقاش”.