يعرف البعض – أو الجل- أن الإعلام الرسمي بأقانيمه الثلاثة (الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء) حرص على أن يظل وسائل للتطبيل الفج والتضليل الأهوج، وربما كان معلوما أن الإذاعة رائدة في هذه المهمة النبيلة (الجيفة إذا انتفخت وأنتنت تسمى نبيلة أيضا) باعتبار ما حازته من قصب سبق زماني؛ فمن سبقك بلييلة سبقك بحويلة كما في المثل. أحرى من سبق بسنين عددا.
لكن قل من يعرف الكثير مما يدور في المكاتب والردهات والمكالمات ويعود أثره السلبي على عموم المالكين (الشعب الموريتاني) دون ردع من السلطات العليا، لأن الإذاعة تدار وفق تفاهم مزمن يقضي بأن تكون المنافع والامتيازات المادية لمن أوكلت إليه وتلك المعنوية للحكام، ومن ثم فالمتلقي لا يعدو هدفا لأسلحة التضليل الغبية.
فلمجرد التمثيل تخلو الإذاعة من برنامج علمي منذ حوالي أربعة عقود (أظنها ما زالت كذلك) حين أوقف البرنامج القيم “مجلة العلوم” في أيام الرئيس المؤسس. ولا أدري هل لوحظت غرابة انعدام برنامج علمي في جهاز رسمي يدعي حمل أمانة التوعية والإرشاد والتبصير، كان يتشدق بأنه في القرن العشرين وها هو يذرع العقد الثالث من الحادي والعشرين.
منذ زهاء ثلث قرن لفتُّ (أنا) انتباه القائمين على الإذاعة إلى هذا النقص أيام كنت بها؛ مبديا استعدادي لسد الفراغ مؤقتا (اعتمادا على الجانب العلمي من اهتماماتي) ريثما يوجد كفء مختص بذلك. وسعت الإدارة – أو هكذا بدا لي- في هذا السبيل، وفي أحد الأيام تحقق الظفر بشاب ذي شهادة جامعية في العلوم ولم يخذله صوته ولا قدراته التحريرية، وحين وصل الأمر إلى استلام ملفه أرجئ اكتتابه إلى أجل غير مسمى لأن أوراقه المدنية أظهرت انتماءه إلى جهة مغضوب عليها لا يريد نافذ في الإدارة زيادة “لوبيها” في المؤسسة.
لا أدري مصير الشاب الذي ربما صار كهلا مثلي إن كان حيا، ولكني أدري أن الإذاعة بقيت تعاني نقصا وعيبا لا تأسف عليه ما دام الحاكم لا يهتم به.
تعليق واحد
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.
ظلم وتقصير في حق المجتمع فهو محتاج للتوعية والتعليم