عملت فترة من شبابي بمؤسسة إعلام رسمية، ضمن فريق من المتعاونين معها تشعبت بهم الطرق فرحل بعضهم إلى دار البقاء مأسوفا عليه، وصارت منهم شخصيات كبيرة بعضها الآن قيادي في المؤسسة نفسها وفي المهنة عموما، ومنهم من رسب في قاع المجتمع مثلي، ومنهم من طفا برهة على سطحه ثم عاد إلى قاعه، ومنهم من يحن إلى تلك الفترة حنين الشيخ إلى عهد صباه، ومنهم من لا يعجبه ذكرها ولا ذكر من يذكره بها!
لم يكن المتعاونون يأوون إلى ركن شديد فكانوا أضعف الحلقات، يحتفي بهم المسؤولون عند الشدة ثم يعودون إلى أقل من قدرهم بمجرد عودة الأمور إلى نصابها. ورغم أنهم كانوا يقومون بأغلب العمل فلم تكن التعويضات منتظمة ولا منصفة، كما خلد في أشعار بعضهم. وكان للسيد المحاسب (رحمه الله) ثأر لديهم؛ فلا يخاطبهم إلا بقدر الضرورة لرد سلام أو نحوه، وبعبارات موجزة جدا وصوت أقرب إلى الانخفاض، ومن لم يسمع أو يفهم فلا إعادة ولا إيضاح. وقد يكون في حديث ودي ضاحكا مستبشرا فإذا دعت الحاجة إلى خطاب أحدهم أعاد ضبط وجهه وجرس صوته بسرعة لملاءمة المطلوب، ثم عاد سيرته الأولى كما تتحول شاشة التلفاز من قناة لأخرى بضغطة زر.
مرة كنا جلوسا قبالة مكتبه فسألت زملائي: لو فتح فلان (المحاسب) الباب فسلم علينا باشا وداعبنا ما ذا تفعلون؟ وأذكر من إجاباتهم أن صديقا لي (شخصية نقابية كبيرة في الماضي القريب) قال: أما أنا فأعلم أنه جن وأخرج فورا قبل أن يصيبني بسوء!
