حين كان معاوية يجوب تگانت خريف عام 1992 موزعا العوراء والافتراءات على أسلافه من حكام البلاد (خصوصا الرئيس المؤسس رحمه الله) وكانت خطاباته “التاريخية” تشغل الإذاعة والتلفزيون وجريدة الشعب، كنت أجوب محاظر الجنوب وواحاته باحثا عن مزايا السلف وآثاره وأمجاده، ولم يعوزني مطلبي لله الحمد.
لم يرافقني مصور ولم تقدم لي نفقات السفر، بل كان حال وكالة الأنباء معي قول بني إسرائيل: {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون}. لذا تنقلت بمفردي وعلى حسابي، وقطعت مسافات وعرة على قدميَّ (لم يكن على طريق معبد من مهمتي إلا الأقل) ثم عدت بحصيلة غنية نُشِرت تباعا في جريدة الشعب وبُثَّ بعضها في الإذاعة.
من أهم أيامي يوم “بدر” (الكيلو متر 142 بحساب تلك الأيام على طريق القوارب) قرية لم تمنعها ظروفها المختلفة من تحصيل العلم على الشيخ المصطفى (بُدَّا) بن أيشا رحمه الله؛ وهو رجل مسن لم يستكن لسنه وضعفه البدني وظروفه الخاصة، فاستمر يغدو سيرا على قدميه من بو تيدومه إلى بدر، ثم يروح بالطريقة ذاتها إلى بيته الذي لا تسمح الأحوال له بالمبيت عنه.
المحظرة في انبار لأهل الشرف، لا مروحة بها ولا مكيف ولا إنارة ولا مَرْكَب ولا امتياز من أي نوع؛ بل إنها غير مسجلة لدى السلطات، في حين تسجل كتاتيب الصبيان وتسمى محاظر وتقدم إليها الإعانات المادية والمعنوية!
درس الرجل على مشايخ منهم من قضى نحبه يومئذ كمحمد سالم ابن ألما، ومنهم من ينتظر كبداه ابن البوصيري ومحمد سعد بوه (انَّ) ابن الصفِّي رحم الله الجميع.