كثيرا ما يطل علينا المفكرون الاجتماعيون والمثقفون الاستهلاكيون ليقعدوا لنا قواعد العزة بلبوس المسكنة والهوان، ويسلقونا بألسنة حداد، يعرفون بها مصطلحات هي لأجندة غربية رهان، من ذلك حديثهم عن مضامين “حلف الفضول” ورمزيته التاريخية الإسلامية العربية القويمة، محاولين بعثه من مرقده في “أمريكا” وتكليمه في المهد في “أوروبا”، ومثلهم في ذلك كمثل من يزرع الشوك، وهو يريد أن يجني العنب، ويبسط يديه إلى ماء المحيط ليغرف العسل المصفى .
إن أمية الأمة التاريخية وهوان المتلقي عند المتثاقفين دينيا واجتماعيا لا يفرقون بين المعارف القديمة باعتبارها جزءا من تشكلات الهوية لأصحابها حينئذ بوسائلهم وقيمهم، وإسقاطاتها على الأمم المتغلبة علينا بجهدها وركوننا، وتلك دورة الأيام المتقلبة، وامتحان الله عز وجل لأمته، ليعلم من صبر وشكر ومن غوى ودحر.
كثيرا ما درسنا في كتب السير والأخبار أن حلف الفضول هو أحد أحلاف الجاهلية الأربعة، التي شهدتها قريش، وقد عقد في دار عبد الله بن جدعان التيمي القرشي، بين عدد من عشائر قبيلة قريش في مكة، وقد توافق عليه بنو هاشم وبنو تيم وبنو زهرة، حيث تعاهدوا فيه على أن: (لا يظلم أحد في مكة إلا ردوا ظلامته)، وبدأ الحلف عمله برد الظلم عن رجل من زبيد ظلمه العاص بن وائل…
فأي تخريج على هذه الحادثة في زماننا هذا خارج العائلة الضيقة، إنه مجرد تنظير يظهر به المتثاقف أو المنظر مضحكا ومثيرا للاشمئزاز؛ إنه استهزاء بالموروث الثقافي وذم للأمة وبيان لضعفها واستزادة في دحورها وتكسير لمبادئها.
لم لا يسمون “حركتهم المبكية المضحكة”: (سلم لَعَقَة الدم)؟ ألم يعلموا أن الزبيدي استعدى على العاص الأحلاف “لعلقة الدم”: عبد الدار ومخزوم وجمح وسهم وعدي، فأبوا أن يعينوه بل انتهروه حبا للسلام…
الزبيدي بالمناسبة ليس لديه قاموس ولا مصطلح حصري يعامل به لَعَقَة الدم، بل صرخ يريد حقه ويكره الظلم ويمقت ظالمه، فكان نداؤه: “يا للرجال لمظلوم بضاعته..” في شعر قاله صبيحة يوم غطرسة المجتمع المتغلب وساداته حينئذ.
إن الميتة التاريخية هذه والاحتشاد الفارغ، والتنظيرات الفارغة تهلك الإصلاح وتقتل القيمة التاريخية للحادثة، وتجعل أصحابها منفرين من الإنصاف والعدل، وهم يحسبون أنهم مهتدون.
مفكرون علماء مخلصون، لا أحد سواهم يهتدى لفهم النصوص التاريخية وإقامة مكاتب وندوات بأمريكا والغرب عن حلف الفضول، ولبيت شعري شهير على لسان الهاشمية كفيل بتفهيم مقصد القوم وواقعهم:
ومن قال الامامة في سوانا ** كمن قال النبوة في سجاح
إن الأمة الآن في وهن عظيم، وضعف إلى حين، وأي لعب بضعفها وتبيان له لهو خزي في الدنيا والآخرة، وذلك ما يحاوله “أصحاب حلف الفضول في مجتمعات الغرب”، أصحاب العدل فيما بينهم، أصحاب القرى الظالم أهلها، المعادون للأمة الإسلامية والعربية، فأي حق يستطيع بضعة أشخاص بأمريكا “رده من ظلم الحكومة الأمريكية” وتخطيط اليهود العالمي”؟ وأي حق يستطيعون إقامته بالقارة الأوربية المستعمرة؟
أما ترون بربكم المظالم في داخل الأمة وفي بلدانكم وفي بيوتاتكم وفي أنفسكم لو أنكم تعقلون؟ أم ابرموا أمرا؟
إنكم وما تفعلون وتكتبون وتقولون لسوءة ستبقى محفورة في ذاكرة التاريخ.