الثوب الأسود
مما يثير عجب الغير أن الموريتانيين يرتدون السواد في الظروف الاجتماعية التي يفترض أنها للسرور، وكأن الأمر من اختراعهم دون سلف.
إنها – يا سادتي- عادة متوارثة منذ قرون.. ففي الأندلس كان السواد زي السرور باعتبار البياض لون الحزن (الكفن) وفي ذلك يقول الحصري القيرواني (ت 488هـ/ 1095م):
ألا يا أهل أندلس فطنتم ** لأمر من ذكائكمُ عجيب
لبستم في مآتمكم بياضا ** وجئتم منه في زي غريب
صدقتم فالبياض لباس حزن ** ولا حزنٌ أشدُّ من المشيب!
وصدرَ القرن الهجري الثاني ظهرت فيما وراء العراق فرقة المسوِّدة، وآل سعيُها إلى قيام الدولة العباسية التي صار السواد زيها الرسمي؛ يلبسه كبراء رجالها، ويرفع أعلاما على جيوشها.
على أن الألوان في جوهرها خاوية، وإنما يَعْمُرُها تَصَوُّر الإنسان وخياله بالدلالات انطلاقا من عوامل شتى، ولو كان السواد لون سوء لما وصف الله جنتي أهل خشيته بأنهما {مدهامتان}.
يبقى القول إن السواد كان اللون الوحيد تقريبا لأقنعة الموريتانيين وملاحف الموريتانيات في كل الظروف حتى الماضي القريب، ولذا كان وصف “امْكَحْلَه” عَلَمًا على المرأة أيا كانت وكيف كانت.