1- القيم الجمهورية كمصطلح ولد من رحم الثورة الفرنسية على الملكية راعية الكنيسة الكاثوليكية مع سقوط سجن الباستيل 1879.
هذه القيم هي عنوان فصل الدين عن الدولة. فما الذي يجمعنا بهذه القيم الدخيلة على حضارتنا والتي يتغنى بها بعض منا ومن بين أظهرنا، وهي مع الدين في نقيض.
هذه القيم هي شعارات الجمهورية الفرنسية الاستعمارية الأولى 1905، إنها الحرية والشرف والعدالة والإخاء والمساواة … الخ، قيم جميلة في ظاهرها غير أنها لا تعدو أن تكون كخضراء الدمن، حسناء في منبت سوء.
2- القيم الجمهورية هذه بدأت بمعاداة الدين عموما ثم ما لبثت أن خصت الإسلام بتلك العداوة دون غيره من المعتقدات وكأنهم بذلك يقرون من حيث لا يشعرون بأن لا دين عند الله حصرا إلا الإسلام، ثم إن هذه القيم انحدرت في رحلتها الهابطة من معاداة الإسلام إلى الدعوة للإلحاد ثم الترويج للمثلية بشتى أنواعها من منطلق الحرية كما يدعون.
هذا ما انتهت إليه الحضارة الغربية المعاصرة من مفاهيم، فتحولت الديمقراطية التي هي الممارسة السياسية للحرية إلى علمانية متطرفة تعمل جاهدة لإخضاع الشعوب لمفاهيم معينة دون مراعاة للحق في الاختلاف أو هامش للاختلاف:
– الديمقراطية بالمفهوم الغربي التي تلغي الدين.
– حقوق الإنسان بما في ذلك من تحلل من القيم الفاضلة الحميدة في مخالفة الفطرة (الحق في العقوق، الحق في النشوز، الحق في الشذوذ).
– تبني التغريب (كشرط للولوج للتحديث).
– تبني القضايا الصهيونية (التسليم لليهود في الأرض المقدسة وعدم التشكيك في المحرقة).
– التبرؤ من الإسلام (عقيدة وشرعة ومنهاجا).
3- كل من يعيش في المجتمعات الغربية عليه أن ينصاع لقوانينها الجائرة لفرض رؤية أحادية لا تقبل الاختلاف والتنوع. وأقرب مثال للعلمانية المتطرفة ما يحدث في فرنسا أم القيم الجمهورية التي تعتبر الإسلام عدوها الأول ممثلا في المسلمين المتدينين، فكل من يحافظ على صلاته ويصوم رمضان ويحج بيت الله الحرام وتتحجب نساءه فهو مسلم متطرف، أما غير المتطرف فذاك الذي تحلل من دينه وعرضه. وكأنهم ينطقون بما نطق به قوم لوط
“أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون” الأعراف/ الآية 82.
وما إعطاء ماكرون الضوء الأخضر لوسائل الإعلام الفرنسية لنشر الرسوم المسيئة للنبينا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم بحجة حرية التعبير إلا تعبير عن منتهى الاستهزاء بالإسلام والمسلمين وإفصاح وقح عن الروح الصليبية الحاقدة الكامنة في رمز السوء والفحشاء والغطرسة حامل لواء القيم الجمهورية رمز الإلحاد والمثلية المتصهين الذي يحلو له أن يقول شماتة أن الإسلام في أزمة فحلت به وبفرنسا منذئذ جميع الأزمات فطردت فرنسا شر طردة من إفريقيا ثم دخلت فرنسا في سراديب الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فرنسا الآن تعيش أزمة وجودية قد لا تخرج منها إلا وهي أثر بعد عين.
“ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد” الرعد/ الآية 31.
4- العلمانيون يحاولون من خلال سيطرتهم على وسائل الاتصال والإعلام تطويع الخطاب المتداول لنشر سمومهم وأفكارهم غير السوية المخالفة للفطرة والخلق القويم ومن خلال شيطنة الآخر والتفنن والبراعة في اختلاق وصناعة الكذب، إنهم جزء من ماكينة ظالمة مظلمة:
الحق في التدخل في شؤون الدول للهيمنة تم الترويج له زمنا بحجة الذود عن حقوق الإنسان ولم ينقطع الحديث عنه إلا بعد مجازر رواندا المروعة التي كان لليد الخفية الفرنسية فيها اليد الطولى.
الحق في التدخل في نشر الديمقراطية لم يقبر كمفهوم إلى أن حدث التدخل في العراق فكانت مذبحة ملجأ العامرية والفلوجة وغيرها وفضائح بوغريب دليلا على أكذوبة المسعى الفاشل الذي انتهى إلى مأساة ميلو ادرامية.
الترويج لحقوق الإنسان بدا أضحوكة العالم بعد مساندة القوى الكبرى فرادى وجماعات لأكثر الدكتاتوريات بطشا وقهرا لشعوبها.
نظام الأبارتايد الذي كان قائما في جنوب إفريقيا هو نظام لين هين مسالم مقارنة بنظام الأبارتايد الإحلالي المجرم القائم في فلسطين المحتلة والمدعوم من القوى الغربية مجتمعة بالمال والسلاح لإبادة شعب أعزل لا لشيء إلا لأنه مسلم كلما أتيحت له الفرصة للتخلص من مسترقيه يواجه بإجماع غربي خلف المحتل. إجماع يجعل من المظلوم ظالما ومن الظالم مظلوما.
وها هو حل الدولتين شماعة الدول الغربية المتصهينة بعد طوفان الأقصى وعشرة أشهر من المذابح قد أصبح في خبر كان ذلك بأن فلسطين لا تتسع إلا لأهلها ومن النهر إلى البحر أما اليهود فعلى كل واحد منهم أن يعود من حيث أتى.
5- رحلة القيم الجمهورية المشؤومة من العام 1905 انتهت في غفلة من الزمن والعالم لا يكاد يفيق من هول الحرب العالمية الثانية في العاشر من ديسمبر 1948 لتحط وتتفشى كريح السموم من باريس عاصمة القيم الجمهورية في لبوس جديد هو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تباشرت به الأمم حينئذ فوقعت عليه دون تمعن ليتبين بعد السنين أنه لا يعدو أن يكون وثيقة لاستعباد الإنسان. إنه حصان طروادة المذكورة في الألياذة اليونانية المشهورة لترويض الدول والشعوب، ذلك بأن الغرب الذي يقف خلف ذلك الإعلان لا يقيم للأخلاق والقيم العليا وزنا في مقابل المصالح لأنه مسكون بالروح الإستعمارية الإستعلائية وتفوق الجنس الأبيض، فحينما تصطدم المصالح بالأخلاق فالكلمة الفصل للمصالح.
هذا الغرب المتشدق بحماية حقوق الإنسان وليدة القيم الجمهورية وبمبادئ القانون الدولي هو المتربع على عرش القانون الدولي تارة تحت عنوان العالم الحر وتارة تحت عنوان المجتمع الدولي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية التي استخدمت حق الفيتو ما يزيد عن خمسين مرة لحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه. هذا الغرب لا يرجى منه العدل، لا يرجى منه الخير، ولا يؤمن شره
“وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون” البقرة/ الآية 11.
سنمر على القيم الجمهورية واحدة بعد الأخرى بالتعليق كي نكون على بصيرة وعلم من أن هذه القيم ما هي إلا زيف في زيف.
6- الحرية:
الحرية هي الشعار الأول في القيم الجمهورية إنها دعه يعمل دعه يمر، إنها العمل بلا قيود والحركة بلا إيقاع، الحرية في التعبير وفي التجمع، في التظاهر وفي الإنضواء في التجمعات والمنظمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وهي الحرية في التعدي على الدين والاستهزاء به وبالمتدينين وبخاصة من يدينون بدين الإسلام. إنها الحرية في استحلال الحرام والتأفف من الحلال، إنها الحرية بممارسة العلاقات الغير الشرعية، والحرية في تقييد العلاقات الشرعية، إنها الحرية في هدم القيم الحميدة، إنها الحرية في وضع نهاية للحرية، إنها الحرية للطفل في العقوق وللمرأة في النشوز والحرية للفاسق في الشذوذ والحرية في الارتداد عن الدين والحرية في الإلحاد. الحرية في الدعوة للإلحاد والدعوة لكل هذه الموبقات. إنها الحرية انطلاقا من الفلسفة العوجاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. لقد أصبحت الحرية في مفهوم القيم الجمهورية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان صنم يعبد له خوار.
7- الشرف:
الشرف في القيم الجمهورية رمز ترفرف له الأعلام وتصدح الموسيقى له بالتغنى، غير أن هذا الشرف حينما يحل مجسدا في نياشين وأوسمة باسم جوقة الشرف الفرنسية la légion d’honneur التي تعتبر الوسام الأشرف في المنزلة بين نياشين فرنسا الاستعمارية نكتشف كم أن هذا الشرف هو حقا إسم بلا مسمى. هذه الفرقة التي تجسد معنى الشرف في قيم الجمهورية الفرنسية الإستعمارية كانت تكلف بالمهام الأوسخ والأكثر إثارة للإشمئزاز بما ارتكبته من مجازر ومذابح وانتهاكات يندى لها الجبين في حق نساء وشيوخ وأطفال الجزائر وفي حق الفيتنام. إنه الشرف الزائف المزيف حينما لا يوجد شرف تتشرف به أمة في تاريخها، فتنتحل لنفسها شرفا على المقاس وعلى الناس يفضحها بكل مقاس، يخالف الشرف المتعارف عليه شكلا ومضمونا جملة وتفصيلا.
حينما دخل اللواء السادس من قوات هتلر باريس وجاس جنوده خلال البيوتات الراقية تفتيشا كشف كل بيت باريسي ستره مراودة ودياثة، حينها تبين للغزاة الألمان أن فرنسا عديمة الشرف، أمة شرفها بالمقلوب. إنه الشرف في القيم الجمهورية الإستعلائية الهابطة.
8- العدالة والإخاء والمساواة:
إنها متلازمة القيم الجمهورية، ثلاثية الأضلاع.
1- في اليوم الأول من ديسمبر 1944 كانت قد تجمهرت جموع من المجندين الأفارقة المقبلين على التسريح من مختلف الجنسيات الإفريقية يطلق عليهم الرماة السنغاليون والحرب العالمية الثانية توشك أن تضع أوزارها، بالقرب من قرية في ضواحي داكار تسمى تيرواي احتجاجا على عدم مساواتهم بأقرانهم الفرنسيين في الرواتب والعلاوات بعد خدمة شاقة في الجيش الفرنسي سالت فيها دماءهم وأزهقت أرواح بعضهم، فما كان من السلطات الإستعمارية، التي لا تزال تحتل السنغال، إلا أن قررت التخلص منهم لإنهاء المشكلة. بدأ الهجوم على المتجمهرين وهم نيام الخامسة صباحا من ذلك اليوم بالطائرات وبالقصف المدفعي فحدثت مذبحة من أفلت منها فارا بجلده طورد بالرصاص الحي في القرى المجاورة التي لجأ إليها. تواصلت المذبحة ليوم كامل ويزيد. بلغ عدد القتلى فيها قرابة الألفين، إنها العدالة والأخوة والمساواة الزائفة، إنها القيم الجمهورية التي تقطر دما ووحشية.
أصبحت مقبرة تيرواي بعد استقلال السنغال عن فرنسا 1960 مزارا لا يقل أهمية عن جزيرة كوري حيث كانت ترسو سوفن تجارة الرقيق إلى الأمريكتين وأوربا. هذه المقبرة شاهد على الفلسفة من وراء القيم الجمهورية الدموية.
2- يحدث هذا في دول الساحل والصحراء ومن ضمنها بلدنا الوديع. أووربا لا تريد للجراد أن يجتاح سهولها الخصبة.
تصوروا معي لو أن الجراد وصل أووربا وتعاملت معه بمثل ما يتعامل معه به في دول الساحل والصحراء مجبرة بواسطة السموم عالية السمية، لن يكون حينئذ باستطاعة سكان أووروبا الذين تعرضت مناطقهم للرش البقاء في منازلهم، سيصبحون نازحين في الفنادق البعيدة على حساب الدولة، لن يستطيع أحد استهلاك المنتجات الزراعية، خضروات وفواكه لسنين، لن يستطيع أحد استهلاك لحوم الأنعام والطيور لسنين، لن يستطيع أحد شرب مياه تلك المناطق الملوثة، ستصبح السياحة في خبر كان، سيقضى على الزراعة لسنين، ستعج المستشفيات بالمرضى، ستكون خسارة لقطاع التأمين الاجتماعي، ستكون خسارة اقتصادية هائلة، وتفاديا لذلك كله واستغلالا للفقر المدقع وغياب الوعي أصبحت دول الساحل والصحراء منذ عقود هي من يقوم بتلك الحرب على الجراد بالوكالة عن أوروبا من خلال تخزين أكداس هائلة من المواد الكيماوية الشديدة السمية بتمويل أوروبي وبواسطة منظمات دولية كمنظمة التغذية والزراعة وغيرها وبتعاون طوعي كامل من وزارات الزراعة في تلك الدول مقابل هبات ومكرمات سخية على شكل علاوات تدفع للقائمين على حملات الرش السنوية صغارا وكبارا.
ج- هذه الحملات الموسمية على الجراد ومنذ عقود ضررها على سكان البوادي ومواشيهم وعلى البيئة في الأرياف وضواحي المدن حيث يتم الرش لا يخفى إلا على أعمى أو أصم.
(1)- ظهور الأمراض التي لم يعرفها السلف ولم يجد الطب لها تفسيرا من حيث النسبة وتنوع الحالات، له صلة بتلك السموم المتراكمة في التربة وما تستهلكه الأنعام من مسموم وتشربه من مياه ملوثة.
(2)- ظهور أمراض الحساسية من مختلف الأنواع الجلدية والتنفسية والمعوية والبصرية في مواسم الرش خاصة له صلة بتلك السموم المتراكمة في التربة سنة بعد سنة.
(3)- الإجهاض المبكر للحوامل ونفوق الأنعام والبهائم وانقراض الحياة البرية له صلة بتلك السموم المتراكمة في التربة سنة بعد سنة.
(4)- ظهور حميات غريبة يصحبها نزيف ويستعصي تشخيصها في مواسم الرش خاصة له صلة بتلك السموم المتراكمة في التربة سنة بعد سنة.
(5)- هذا الموضوع وما ينتج عنه يستحق أن يكون على أولوية اهتمامات القائمين على الشأن العام والصحة عامة ومن قبل الجامعات في رسائل التخرج للكليات العلمية ذات الصلة بالموضوع.
(6)- أين هذه الممارسات التي تجري في الظلام على حساب سكان الساحل والصحراء مما تتشدق به حضارة الغرب من قيم المساواة والأخوة والعدالة، إنه المثال الحي لحقيقة القيم الجمهورية المخادعة التي تذبح الضحية وتمشي في جنازتها.
9- فرنسا أم القيم الجمهورية اتخذت من سكان بعض القرى والتجمعات السكانية في الصحراء الجزائرية إبان الاستعمار وقبيل الاستقلال حقل تجارب لقياس مدى تأثر السكان بالانفجارات النووية فكانت تخضع هؤلاء السكان دون علمهم للتفجيرات النووية فيباد الكثيرون ومن بقي حيا يحيى معاقا مع أكثر من جيل من المشوهين خلقيا، إنها القيم الجمهورية في العدالة والأخوة والمساواة الزائفة الكاذبة التي تتخذ من البشر من غير الجنس الأوروبي فئران تجارب يموتون كالفئران.
10- بعد العدوان الثلاثي على مصر 1956 بقيادة فرنسا وكل من ابريطانيا وإسرائيل، زودت فرنسا الكيان الغاصب في 1957 بمفاعل نووي من نوع أزوريك أنتج لحد الآن ما يقارب السبعين قنبلة نووية لإبادة العرب، وفي السبعينيات اشترت العراق من فرنسا مفاعلا من نفس النوع تكفلت بتركيبه وتدريب أطقمه كما في العقد. ظلت فرنسا تزود إسرائيل بمراحل تطوره إلى أن أوشك على التمام فقام الكيان الغاصب بقصفه وتدميره في 1982 إنها الأخوة والمساواة والعدالة في القيم الجمهورية العنصرية المعادية لكل حق في التطور والنهوض للعرب والمسلمين.
11- البعض منا ومن بين أظهرنا يتغنى بالمدرسة الجمهورية باعتبارها مرجعا لكل صواب وثورة ولكل تقدم مستبدلا الذي هو أدنى بالذي هو خير فبدل أن يقول المدرسة الإسلامية أو المدرسة الشنقيطية أو المدرسة المرابطة أو المدرسة الوطنية تراه عن جهل يصدح بما يشين ولا يرفع وكأن بينه والإسلام حربا ضروسا أو بينه والتاريخ قطيعة بلا رجعة تصل حد النكران.
“قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي للحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون” يونس/الآية 25
12- إصرار بعض القائمين على التعليم بعدم الفصل بين الجنسين في حجرات التعليم وفي المدارس ما قبل الجامعية الذي لا يخفى ضرره على الأخلاق وتحصيل الطلاب وانضباط الصفوف رغم سعة المكان ما هو إلا تشبث وترويج لقيم الجمهورية الدخيلة الذي يغيظ المتربحون من ورائها خلق الحياء في بنات المسلمين وخلق الغيرة لدى أبناء المسلمين إنها القيم الجمهورية رديفة الإباحية والمساوئ والمنكرات
“إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين ءامنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون” النور/ الآية 19
13- البعض من باب التزلف للغرب بدعوى الحداثة والتنوير يصل به الحماس لتلك القيم الجمهورية الزائفة إلى التهكم والتهجم على القبائل والعشائر وكأن الأرض ضاقت عليه بما رحبت غيظا من كل ما يشد من اللحمة الاجتماعية، ومن حيث يدري أو لا يدري، فهو يتحامل على الرحم والتراحم بين أفراد وجموع الشعب المؤلف من قبائل وعشائر، فهل يوجد موريتاني لا ينتمي لقبيلة أو أكثر وهل يوجد من تصل به الجسارة والوقاحة للتبرؤ من قبيلته أو يرضى لنفسه أن تترأ قبيلته منه إلا إذا كان أحمقا مارقا، وما الذي يغري في الأوطان غير الأهل والأرحام، وما الذي يشوق على الآثار والديار غير من سكنها ورحل.
14- لا شيء يمكن أن يؤخذ على القبيلة إلا ما يمكن أن يؤخذ على الشجرة الطيبة المذكورة في كتاب الله بين من يتناول ثمارها رطبا ويابسا ومن يخمر ثمارها سكرا وهي من الأخير براء كما أن القبيلة بتصرف فرد من أفرادها ولي أمرا في ما لا يملك وجميعنا فيه سواء محاباة أو محسوبية أو عصبية أو تعاليا هو ميل عن الجادة والأصول وإفساد في الأرض والقبيلة منه في حل.
15- لم يكن عبثا أن كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أعلم الناس بأنساب العرب ذلك بأن الناس منازل ولا يعيش الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة لهم إذا جهالهم سادوا، فلعل الذين يستهدفون القبائل والعشائر يريدون الفتنة خدمة للعدو المتربص بالأوطان عن قصد وتعمد.
“يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكركم عند الله أتقاكم” الحجرات/ الآية 13
16- ما خرج الإستعمار من بلد إلا وترك فيها فخاخا لإشعال الفتن وإشغال الناس عن المهم والأهم في حاضرهم ومستقبلهم إلى ما هو دون. وما ثنائية اللغة المعيقة لتطور التعليم في بلدنا إلا فتنة مستيقظة وإلا فما التفسير في إحلال لغة الأجنبي محل لغة القرآن العظيم، أم اللغات وأصل اللغات وخير اللغات، اللغة الخالدة بإجماع علماء الاختصاص والألسن. وكيف يجتمع الإيمان في قلب امرء يدعي الإسلام وبغض لغة القرآن.
17- الأمة التي تساوي بين لغة الأجنبي ولغتها أو تقدم لغة الأجنبي على لغتها هي أمة تتنازل عن هويتها التي لا وجود لها بدونها. أمة بلا هوية أمة نكرة بين الأمم مطموسة الذات والذاكرة مسلوبة الإرادة والحرية. أمة بلا هوية أمة لا تنتج المعرفة ولا تنتج الإبداع والابتكار. أمة بلا هوية أمة بلا مستقبل.
18- لا أحد يستطيع مهما بلغ من نبوغ في التردي والانسلاخ من جلده والتحلل من قيمه إقناعنا بالتخلي عن هويتنا المتمثلة في الإسلام حضارة وفي لغة القرآن ثقافة لحساب زبد يذهب جفاء على حساب ما ينفع الناس ويمكث في الأرض.
19- الفلسفة من وراء الغزو الثقافي للبلاد من خلال استجلاب قيم دخيلة هو إشاعة ثقافة الشك والتنافر والبغضاء وقطع ما أمر الله به أن يوصل والإفساد في الأرض من خلال الطعن في عقيدة التوحيد والطعن في صحيح الدين والطعن في ورثة الأنبياء وإشاعة ثقافة التفاهة والمجون لإشعال الفتن ولدى الأجنبي المتربص بالبلاد قبيله في ذلك يخدمون أهدافه ومقاصده.
20- لطالما توجس الغرب خيفة من هذه البلاد الولادة رغم العثرات، ذلك بأن الصحراء ظلت على مر العصور أرض المفاجآت التاريخية والأحداث العظام لذا ستظل مبعث قلق لديهم وستظل مستهدفة تارة بالحروب بالوكالة وتارة بإثارة الفتن ظاهرة وباطنة وبالحرمان من أسباب النهوض والتنمية وبالفشل الإداري والإفقار وما نهب وسرقة وتبديد الثروات والموارد من ذلك ببعيد.
21- وجوب القطيعة مع القيم الجمهورية:
وجوب القطيعة مع القيم الجمهورية التي تعني في حدها الأدنى التبعية المذلة لفرنسا والاستلاب والتغريب وفي حدها المعلوم العلمانية والإلحاد والمثلية. وجوب القطيعة مع هذه القيم الجمهورية الدخيلة هو الحد الأدنى من الإيمان بدليل أنها منكر من القول والفعل، “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسان فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان”.
البعض أطلق على هذه القيم المسماة بالجمهورية الجاهلية العالمية وكان على حق فما أشبه هذه القيم التي ليست لها بالقيم الحميدة صلة من قريب أو من بعيد بالجاهلية الأولى وإن كانت الجاهلية دونها في السوء،
“ويوم تقوم الساعة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون” الزمر/ الآية 60-61
22- القطيعة مع هذه القيم يقتضي:
1- الفصل بين الجنسين في التعليم ما قبل الجامعي لما في الاختلاط من مساوئ وآثام كونه إماتة للحياء والحياء من الإيمان.
2- إحلال لغة القرآن كلغة التعليم الموحدة لكافة مراحل التعليم بما فيها الجامعي وإن كان لابد من إضافة لغة أجنبية فلتكن الإنجليزية.
ج – إحلال لغة القرآن العظيم كلغة للإدارة فلا معنى لإدارة وطنية لغتها لغة أجنبية.
د – ربط التربية بالتعليم من خلال إدخال ما يلزم من نصوص وسير لبناء الشخصية عالية الهمة المحصنة بالقيم الحميدة والعقيدة الراسخة وما يشد من لحمة الأمة.
هـ – التوسع في لاستثمار في التعليم الديني وتيسير ذلك أمام طلاب الجوار الإفريقي ذلك بأن الإشعاع الثقافي والعلمي لبلاد شنقيط هو أحد مبررات وجودنا على هذه الثغور.
و – الكف عن استخدام مصطلح القيم الجمهورية في الخطاب الإعلامي والتربوي والإداري والتشريعي لما فيه من تجني على الهوية وتصادم مع أسسها.
ز- وأد الفتنة المتمثلة في دعاة الإلحاد والمثلية وممارسيها في مهدها قبل أن تستفحل وتجر البلاد إلى الكوارث.
ح – إدخال مادة التعريف بقضية المسلمين الأولى ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثالث الحرمين في المناهج التعليمية لزيادة الوعي بقضايا الأمة وهمومها.
انواكشوط بتاريخ 23 محرم 1446 هـ
الموافق 29 يوليو 2024م
*ـ عقيد متقاعد
من مواليد مدينة أطار الموريتانية
المؤهلات العلمية:
باكلوريا وطنية
ليسانس حضارة وإعلام ـ المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية
بكالوريوس علوم عسكرية ـ جامعة مؤتة الأردنية
ماجستير علوم عسكرية وإدارية ـ جامعة مؤتة الأردنية
ماجستير علوم إستراتيجية ـ أكاديمية ناصر العسكرية العليا ـ مصر