في العملية الاتصالية تشكل طريقة توصيل الرسالة من المرسل إلى المرسل إليه حجر الزاوية والعنصر الفارق في نجاعة ونجاح عملية الاتصال، نفس الشيء ينطبق على الأداء الصوتي حيث الكلام هو أداة الاتصال والاعلام، وأي خلل في الأداء والإلقاء سيؤثر في الشخص المخاطب أو الجمهور سلبا وقد يغير ردود الأفعال والأقوال.
في أيام الزمن الجميل وأيام ألق صدى الصوت قبل عقود حيث كان الاعتماد حصريا على الإذاعة كمصدر وحيد للأخبار والإخبار والتعلم والتثقيف عندما ينقطع تردد الصوت يتوقف المستمعون للتساؤل عن السبب وكأن شريان الحياة قد توقف عن الضخ، اليوم في زماننا مازال الصوت صامدا في الأثير لكن المعايير البصرية طغت عليه فجعلته جزءا من الديكور لا تعطيه حقه إلا القلة وإن انقطع يسأل نيف من الجمهور على خجل: “ماذا حدث للصوت” مطالبا بضبطه لكي يكتمل المشهد، لكن هذا الواقع على ضبابيته ما زال يكرس عملية إقصاء الصوت وهو الشيء المرفوض على الأقل من قبل عازفي موسيقى الكلام حيث المعلق الصوتي الذي يعطي كل حرف حقه بسخاء، فتصلنا الجرعة الصوتية كاملة مكتملة في الكتب الصوتية رغم تعدد عناوينها وفي مسلسلات الكرتون المدبلجة، وتصلنا الاستعلامات الصوتية في المطارات والمستشفيات، مجسدة أن الصوت هو نبراس يضيء طريقنا ويرشدنا للأهداف رغم سيادة ثقافة الصورة ومغريات الألوان المشاهدة.
السياسي.. أكثر من يخطئ بحق الصوت
ونحن على أعتاب استحقاقات سياسية ساخنة ما زال أغلب سياسيينا للأسف يخطؤون في استخدام خاماتهم الصوتية ويثقون في مكبرات الصوت-سيئة الضبط غالبا- أكثر مما يثقون في كلامهم المنساب بطريقة خاطئة من أعلى منطقة الحجاب الحاجز مرورا بالرئتين ثم القصبة الهوائية وصولا للفم والأنف، ولا يدري السياسي الذي يتبنى في غالب وقته خطابا دعائيا لجذب الجمهور أنه لو أحسن في أدائه الصوتي لوفر عليه موارد يصرفها على البيانات الورقية والنشريات والخرجات الإعلامية غير المرتبة.
أيها السياسي ثق بأن الأداء الصوتي في مهرجاناتك واجتماعاتك هو الفيصل في إقناع من يجالسك ومن يخاطبك، قم بتحضير نصوص موجزة ورؤوس أقلام عن مشروعك السياسي ثم قم بمراجعتها والتوقف عند كل كلمة ومفردة اسأل نفسك وأنت تقرؤ لنفسك وتستمع لصوتك في نفس الوقت هل هذا مقنع لا تستغرب إذا ضحكت من نفسك في الوهلة الأولى ثم حاول الأداء بشكل أفضل، تدرب وحاول حتى تحسن من أدائك الصوتي ثم قم بقياس النتائج المسجلة قبل وبعد رد الاعتبار لصوتك الذي لن يخذلك إن أوليته اهتماما كما يفعل بعض شركائك في الحقل السياسي.
انسيابية الصوت
نحصل على انسيابية الصوت إذا قمنا بتحضير المحتوى الذي نريد توصيله للجمهور بشكل جيد عبر ضبط علامات الترقيم (أشبهها دائما يإشارات المرور بالنسبة للسائق) واستبدال المفردات الصعبة بمفردات سهلة النطق لتفادي المطبات الصوتية ثم قراءة النص بصوت مسموع لممارسة النقد الذاتي وتصحيح الأخطاء التي تصادفنا ثم تطبيق فنيات القراءة خاصة الوقف التام والوقف المعلق والتلوين الصوتي قدر الإمكان لإضفاء طابع الجدية في الرسالة المقروءة والتفاعل مع المخاطب بنبرة إيجابية.
وكلما قرأنا النص مرات متعددة كلما اقتربنا من روحه وخلقنا علاقة ذهنية مع النص وهنا نصل لدرجة الإحساس بالرسالة الأبرز للنص، والإحساس يا سادتي وسيداتي هو اللبنة الأولى لإلقاء سليم ومعبر ومتكامل وفصيح.
واحرص على الجلوس أو الوقوف بطريقة سليمة أثناء مخاطبة جمهورك واحترم فنيات التنفس ولغة الجسد ولا تنسى التدقيق اللغوي والصياغي لنصوصك فأنت في النهاية صاحب رسالة تريدها أن تصل وتؤثر في أكثر الناس.
التحضير الجيد للخرجة الصوتية
عند عزمك التوجه لإلقاء كلمة أو خطاب أو المشاركة في نقاش أو حوار قم بتجهيز نصك بشكل جيد هذا هو سلاحك فأحسن التعامل معه، وبعد تدقيق النص ومراجعته جهز نفسك على مستوى جهازك الصوتي فلا تقم مثلا بشرب مشروب لزج قبل الإلقاء بدقائق لأن ذلك يؤثر على حركة عضلة اللسان الأداة الأبرز في صنع الكلام، لا تقم أيضا بأكل الحلويات أو الكعك لأن ذلك سيخلق لك مشاكل أثناء الكلام ويضعك أحيانا في موقف محرج ويظهرك بمظهر العاجز عن إتقان قراءة أسطر موجزة.
إذا صادفتك صعوبات في الإلقاء قم بشرب جرعة ماء قليلة وقم بالمضمضة وتحريك لسانك بشكل دائري على أسنانك العلوية والسفلية والتأكد أنك جاهز لإصدار الكلام.
الصوت المقنع
يستغرب كثيرون من رؤية بعض المتحدثين وهم يقنعون المستمعين من أول فرصة ولم يستحضروا ما بذله هؤلاء من تدريب وجهد لتطوير أدائهم الصوتي حتى وصل درجة الإقناع والتبريز، عزيزي عزيزتي بإتقانك لكل ما سبق وأن ذكرناه تصل درجة الإقناع الصوتي، بدءا من شد انتباه الشخص المخاطب بخامة صوتية ملفتة وإن لم تتوفر فبلغة الجسد وملامح الوجه ومخارج حروف سليمة وأفكار واضحة وصوت مريح لا يرتفع فيزعج المتلقي ولا ينخفض فينقطع خيط الإرسال الصوتي، زد على ذلك إذا أتقنت قراءة النص الذي تريد توصيله لجمهورك فقمت بالتوقف في الأماكن المناسبة وتنفست بشكل احترافي دون أن يؤثر ذلك على انسيابية كلامك وتطلع المتلقي للمزيد من صوتك، كن على درجة عالية من الإحساس بقيمة ما تلفظه من كلام دون غرور أو ازدراء، كن أمينا وكريما في توصيل الرسالة التي تريد توصيلها عبر صوتك لشخص ليس ملزما على الاستماع لك ولديه خيارات لا محدودة في قائمة المحتويات الصوتية ليس أقلها أن يضغط على هاتفه ويستمع لمحتوى صوتي مغاير ومناسب لتطلعاته.