حين ألقي نظرة على ما تنضح به المواقع العنكبية في هذه الساحة المنكبية أعجب من استرخاص الخبر وصناعته التي لا تتطلب أكثر من ذكر ما لا جديد فيه بلغة وأسلوب يندى لهما الجبين! ويستحق صاحبهما أوسمة لشجاعته.
“عاجل مواطن يصلي الصبح (هويته)” ومع هذا فكثيرا ما لا ترد الهوية!
“تعرف على الرجل الذي شق كمه (صورته)” وقد تكون الصورة لشارع أو سيارة أو قط..
“فلانة تنجو من محاولة اغتصاب” مع أن فلانة (على تقدير صحة الخبر) نكرة تحتاج تعريفا.
ومن المضحك أن الخبر ذاته قد لا يعدو تكريرا للعنوان!
لو كان الأمر بهذه البساطة – واقتصرت المنشورات على الصدق- لاحتاج كل فرد منا إلى تخصيص مؤسسة إعلامية لحركاته وسكناته.
مثلا إذا استبدلت أنا غاز المطبخ فهذه مادة تقرير إخباري يبدأ بأهمية غاز البوتان في حياتنا اليومية وفي الحفاظ على البيئة وفي النشاط الاقتصادي وغلاء سعره ومنتجيه ومستورديه وموزعيه (مع ثناء أرعن في حدود التفاهم وقدح كذلك في حدود عدم التفاهم) وضرورة توفير الضروريات للمواطن.. ليصل إلى أن السيد فلان بن فلان (تحت الرعاية السامية لشخصية أخرى يمكن بسط الحديث عنها أيضا) أشرف على استبدال غاز المطبخ مستعينا بفتيين لحمله والبحث عنه، وباشر هو الانتقاء ودفع الثمن من جيبه وفي المنزل تولى التركيب والاختبار؛ حرصا على سلامة سكان البيت ومحتواه وجيرانه، وسهرا على الأمن الغذائي في المنزل.
دون أن ينسى معد التقرير استحالة العيش دون غاز البوتان (ضرورة في المدن وترفا في البوادي) وما يفيده من توفير تغذية مناسبة لسكان المنزل وجدوى ما يفضل عنهم على المواشي والفئران، وهنا لا بأس من التطرق إلى ما في تعايش البشر والبهائم في المنازل، وإلى تنوع أضرار القوارض وأسباب انتشارها وطرق القضاء عليها..
مثال آخر: بعيد صلاة الفجر اتجهت اليوم إلى مختبر كبير بقلب المدينة لإجراء تحليل طبي للدم؛ ما قيمة هذا؟ أمر عادي جدا!
بإمكان هؤلاء (لو سلموا من قصر النفس وضعف العدة الكتابية) إعداد تقرير مفصل عن تاريخ التحاليل ضرورتها الطبية، وأهم مختبرات التحليل بانواكشوط ومكانة أحدها وكفاءة أدواته وخبرة العاملين به وحسن أخلاقهم (بعد التفاهم مع المعنيين طبعا) وتضخيم المكانة المجهرية لهذا العبد الضعيف وتاريخه الصحي له ولأمه وأبيه وسائر المذكورين في سورتي المعارج وعبس، وأهم ثمار مرضه على الساحة الثقافية.. كل ذلك بمبالغة يمليها المقام.
في أثناء ذلك لا بأس من ذكر تاريخ العاصمة وكيف أحالها الجشع الشعبي والفساد والإهمال الرسمي إلى ما هي عليه وحال شوارعها، وكيف أفحشت السنة الرمل والنفايات على بعضها ومنظر مبانيها الكئيب صباحا وكيف تبدو دون ماكياج..
يمكن كل هذا وأكثر.. لكنه ليس مادة إخبارية بالمفهوم الفني، وإن كان بعض ما ذكر عرضا صالحا لذلك؛ كحال المدينة وشوارعها على سبيل المثال.