مقالات

نفحات

خديم رسول الله بن زياد

حمدا لك ربّي لما بعثت لنا الميمون طلعة، المحمود شرعة، العظيم أخلاقا، الشريف أحوالا، الباهر أنوارا، الوافر إحسانا، العاطر ثناء..

فلك الحمد والشكر على بعثته، فهدانا بعد الغواية، وأنقذنا من الضلالة، وبصّرنا سواء السبيل..

فأنت يا ربي القائل: (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱلله إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِىَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحْزَنْ إِنَّ ٱلله مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ ٱلله سَكِينَتَهُۥ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُودٍۢ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ ٱلله هِىَ ٱلْعُلْيَا ۗ وَٱلله عَزِيزٌ حَكِيمٌ.(التوبة – 40).

وفي ذلك يقول الإمام القرطبيّ: “قوله تعالى إلا تنصروه يقول : تعينوه بالنفر معه في غزوة تبوك . عاتبهم الله بعد انصراف نبيه عليه السلام من تبوك”.

قال النقاش: هذه أول آية نزلت من سورة (براءة) والمعنى : إن تركتم نصره فالله يتكفل به ، إذ قد نصره الله في مواطن القلة وأظهره على عدوه بالغلبة والعزة . وقيل: فقد نصره الله بصاحبه في الغار بتأنيسه له وحمله على عنقه ، وبوفائه ووقايته له بنفسه ومواساته له بماله. قال الليث بن سعد : ما صحب الأنبياء عليهم السلام مثل أبي بكر الصديق . وقال سفيان بن عيينة: خرج أبو بكر بهذه الآية من المعاتبة التي في قوله : إلا تنصروه.

وأنت القائل يا ربنا في محكم الكتاب: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا  وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا).

ونتوسّع في تفسيرها مع الإمام ابن كثير فيقول: “نزلتْ هذه السُّورة الكريمة لَمّا رجع رسُول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية، في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة، حين صده المشركون عن الوصول إلى المسجد الحرام، وحالوا بينه وبين العمرة، ثم مالوا إلى المصالحة والمهادنة، وأن يرجع عامه هذا ثم يأتي من قابل، فأجابهم إلى ذلك على كره من جماعة من الصحابة، منهم عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، فلما نحر هديه حيث أحصر ورجع، أنزل اللّه عزَّ وجلَّ هذه السورة، وجعل ذلك الصلح فتحاً باعتبار ما فيه من المصلحة، وما آل الأمر إليه، كما روى ابن مسعود رضي اللّه عنه وغيره أنه قال: إنكم تعدون الفتح فتح مكة ونحن نعدّ الفتح صلح الحديبية!!

وروى البخاري عن البراء رضي اللّه عنه قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية، كنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها، فلم نترك فيها قطرة، فبلغ ذلك رسول الله صلى اللّه عليه وسلم، فأتاها فجلس على شفيرها، ثم دعا بإناء من ماء، فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها، فتركناها غير بعيد، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركائبنا أخرجه البخاري.

وروى الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قال: فسألته عن شيء ثلاث مرات فلم يرد عليَّ، قال: فقلت في نفسي ثكلتك أمك يا ابن الخطاب، ألححت، كررت على رسول الله صلى اللّه عليه وسلم ثلاث مرات فلم يرد عليك! قال: فركبت راحلتي فحركت بعيري، فتقدمت مخافة أن يكون نزل فيَّ شيء، قال: فإذا أنا بمناد: يا عمر، قال: فرجعت وأنا أظن أنه نزل فيَّ شيء، قال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نزل عليّ البارحة سورة هي أحب إليَّ من الدنيا وما فيها: (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) أخرجه أحمد ورواه البخاري والترمذي والنسائي من طرق.

وعن أنس بن مالك رضي اللّه عنه، قال: نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) مرجعه من الحديبية، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (لقد أنزلت عليَّ الليلة آية أحب إليَّ مما على الأرض) ثم قرأها عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هنيئاً مريئاً يا نبي الله، بيّن الله عزَّ وجلَّ ما يفعل بك، فما يفعل بنا؟ فنزلت عليه صلى الله عليه وسلم: (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار – حتى بلغ – فوزاً عظيماً) أخرجه البخاري ومسلم والإمام أحمد.

وروى الإمام أحمد عن المغيرة بن شعبة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى تورمت قدماه، فقيل له: أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أفلا أكون عبداً شكوراً؟ أخرجه البخاري ومسلم وبقية الجماعة إلا أبا داود.

وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام حتى تتفطر رجلاه، فقالت له عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله أتصنع هذا وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: يا عائشة أفلا أكون عبداً شكوراً؟ أخرجه مسلم والإمام أحمد.

فقوله تعالى: (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً) أي بيّناً ظاهراً، والمراد به صلح الحديبية فإنه حصل بسببه خير جزيل، وآمن الناس واجتمع بعضهم ببعض، وتكلم المؤمن مع الكافر، وانتشر العلم النافع والإيمان، وقوله تعالى: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر) هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم التي لا يشاركه فيها غيره، وليس في حديث صحيح في ثواب الأعمال لغيره غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهذا فيه تشريف عظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم في جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة التي لم ينلها بشر سواه، لا من الأولين ولا من الآخرين، وهو صلى اللّه عليه وسلم أكمل البشر على الإطلاق، وسيدهم في الدنيا والآخرة، ولمّا كان أطوع خلق الله تعالى وأشدهم تعظيماً لأوامره ونواهيه قال حين بركت فيه الناقة، حبسها حابس الفيل، ثم قال صلى اللّه عليه وسلم: والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم شيئاً يعظمون به حرمات الله إلا أجبتهم إليها. أخرجه البخاري وهو جزء من حديث طويل؛ فلمّا أطاع الله في ذلك وأجاب إلى الصلح قال الله تعالى له: (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك) أي في الدنيا والآخرة، ويهديك صراطاً مستقيماً) أي بما شرعه لك من الشرع العظيم والدين القويم، (وينصرك الله نصراً عزيزاً) أي بسبب خضوعك لأمر الله عزَّ وجلَّ يرفعك الله وينصرك على أعدائك، كما جاء في الحديث الصحيح: وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً وما تواضع أحد لله عزّ وجلّ إلا رفعه الله تعالى”.

ونختتم مع ابن منظور في لسان العرب: وقولُه عزّ وجلّ: (مَن كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ الله فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماء) معناه: من كان يظُنّ أَن لن يَنصُر اللهُ، سبحانه، محمّدا، صلّى الله عليه وسلّم، حتّى يُظهِرَه على الدِّين كلِّه، فلْيمُتْ غَيظاً، وهُو معنى قوله تعالى: فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ؛ والسّببُ: الحبل. والسماءُ: السّقف؛ أَي فليمدُدْ حبلًا في سقفه، ثُمّ ليقطعْ، أَي ليمُدَّ الحبل حتّى ينقطِع، فيموت مُختنقاً”.

ويا سيدي يا رسول الله صلى عليك الله صلاة تشمل آلك الأخيار، وصحبك الأبرار، ما توالى الليل والنهار، أيها النبي المختار، الزكيّ النجار.

أدري بأنّك سيّدٌ ومسوّدُ ** أدري بأنّك أيّدٌ ومؤيّدُ

أدري بأنّك طيّبٌ ومطيَّبٌ ** أدري بأنّك حامدٌ ومحمّدُ

أدري بأنّك كاملٌ ومكمّلٌ ** أدري بأنّك ماجدٌ ومُمجّدُ

أدري بأنّك كوكبٌ متفرّدٌ ** في الحسن فيّاضُ المكارم أوحدُ

ولِذاك أوقن بالفلاح فإنه** ما ضاع شعرٌ في هواك يقصّدُ

يا مُنقذ الإنسان من أهوائه ** بك نرتقي قِمم الكمال ونصعدُ

بك نهتدي من غيّنا بك نغتني ** من فقرنا بك نستقيمُ ونُسعدُ.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى