مع شاي الصباح

مع شاي الصباح (إذا أنت لم تَنْفَعْ فَضُرَّ!)

أحمد سالم ولد باب

توطدت علاقة أحد الرعاة بمسؤول كان يرعى له إِبِلَهُ، فَعَرَضَتْ له حاجة في العاصمة ذات مرة، فكان يتردد كل صباح على مكتب المسؤول المرموق، فَيَلِجُ رُوَاقًا طويلا couloire، تنفتح على جانبيه أبوابٌ متشابهةٌ كالتوائم، وكانت الأبواب تَلْتَبِسُ على الرجل الأُمّيّ فَيُخْطِئُ مكتبَ صاحبه في كل زَوْرَة، فما كان منه في إحدى المرات إلا أن أخرج زِنَادَ تدخينه، ثم حَفَرَ صورة الْوَسْمِ الذي يَسِمُ به ماشيته على باب المكتب المقصود!

رفع المسؤول السامي أصبعه في وجوه مرؤوسيه، بعد أن هدأت عاصفة الضحك التي انتابتهم، قائلا: ليت لي مكانكم رجالا كهذا الراعي يستطيعون ابْتِدَاعَ حلولٍ للمشاكل التي تَعْرِضُ لهم في العمل، كابْتِدَاعِهِ لهذه الحيلة!

لا تفتأ الحكومة تثبت لنا في كل مناسبة أنها مُتَرَهِّلَةٌ، بطيئةُ الاستجابة، غير قادرة على استشراف المستقبل، أما اليوم فقد أثبتت أنها مُقَصِّرَة، وربما مُتَوَاطِئَة!

وقديما بلغ الضَّجَرُ غايتَه بطرفة بن العبد من الملك عَمْرِو بن هند فقال:

فليت لنا مكان الْمَلْكِ عَمْرٍو ** رَغُوثًا حول قُبَّتِنَا تَخُورُ

ولعل لسان حال الكثيرين ينشد هذا البيت في الحكومة بعد أن تتابعت أَمَارَاتُ تقصيرها وقصورها!

ومن الموافقات الدالة أن يُنْشَرَ التقرير المثبِت لوجود مواد سامة في الشاي المستورَد في نفس اليوم الذي وَبَّخَتْ فيه رئاسة الجمهورية بعض القطاعات التي تأخرت في إنجاز ما عُهِدَ إليها بإنجازه.

ليت وزارة التجارة إِذْ لم تستطع كَبْحَ جماح الأسعار المتصاعدة، سعت إلى دَرْءِ أضرار المواد السامة بمنع استيراد ما يُشْتَبَهُ في تَلَبُّسِهِ بها، وكأن الوزارة حين لم تنفع بادرت إلى الإضرار:

إذا أنت لم تَنْفَعْ فَضُرَّ فإنما ** يُرَادُ الفتى كيما يَضُرَّ وينفعا

من المحزن أن تطارِدَ مصالحُ حماية المستهلك في الوزارة صغارَ الباعة كل يوم، وتُغَرِّمَهم، وتُغْلِقَ مَحَالَّهُمْ، وتتركَ الحيتان الضخمة وكبار الموردين يمشون في الأرض مطمئنين، آمنين من أي عقوبة أو مساءلة.

علينا جميعا أن نتذكر أن هذا السلوك مُؤْذِنٌ بالخراب والفوضى، فمن السنن الإلهية التي لا تَتَخَلَّفُ أنَّ إقامةَ الحدود على الضعفاء دون الأقوياء من موجبات الهلاك.

من الضروري أن تتعلم الوزارة من دَرْسِ الأمس، فقد خَفِيَ عليها من قبلُ أنّ آلياتِ الرقابة لم تعد مقصورةً على الجهات الرسمية؛ فرقابةُ هيئات المجتمع المدني ووسائل الإعلام اليومَ صارت أَنْجَعَ من رقابة كل الهيئات العتيقة، فلتضع الوزارة ذلك في الحسبان، ولتعلم أن كشف الإهمال والتقصير، وترك الموظفين يتقاضون أجورهم دون مقابل، أصبح متاحا اليوم أكثر من أي وقت مضى.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى