مقالات

في مهنة المتاعب (14)

محمدُّ سالم ابن جدّ

في الإعلام – كغيره من المجالات والمهن- ينعم قوم لا ينتجون ولا يلامون على ذلك، ولا يسند إليهم عمل، ولو كانوا حاضرين يسمعون أو نائمين في المقر فهم في إجازة فعلية مستمرة. وبالمقابل يشقى آخرون يعملون بجد واستماتة فتكافئهم الإدارة – مشكورة- بإسناد ما يشق إليهم، وتضيف إلى ذلك كل عمل قصر عنه المعني به، ثم تزيد كرما فتجعل من نصيبهم كل ما استجد من عمل.

إذا تحتم خروجُ مَنْ هذا شأنُه – ونادرا ما يخرج- لم يستطع قضاء مهمته لكثرة المكالمات التي تلاحقه وكأن الشمس طلعت من مغربها، لأن كل شيء روكم على كاهله، ولأن الإدارة مثلما تعودت منه المواظبة تعودت الفراغ ورضيت به من آخرين! فإذا اشتكى مما ينوء به كان عزاؤه الإطراء والتمجيد والثناء “الحافي” على قدراته المهنية التي أهلته للعمل في جميع الأقسام (كما يقول الصحافة) وكأنه جاء مستمدحا أو مفاخرا، أو كأنه يغتر بالثناء!
وحين جاء الإعلام الإلكتروني زاد الطين بلة فألغى الغياب المكاني وخلق وجودا ثالثا (إلكترونيا) لا هو بالمكاني ولا الزماني، وضاق الخناق، على بعض عباد الله، فانضاف التقاط الصور والبحث عنها وانتقاؤها وتحريرها وتصميمها وتركيبها، واختلاقها عند الاقتضاء لتناسب النص. والنتيجة وضع المنتج الجاد في زنزانة؛ فكثيرا ما يذهب من بيته لقضاء بعض مصالحه الضرورية فترده مكالمة بأن سائحا عطب، أو سياسيا خطب، أو مرموقا كتب، أو متجرا نهب، أو رئيسا ذهب.. فيكر خائبا إلى الحاسوب يبثه شجونه، لكنه كمن يقرأ الفاتحة في أذن حمار (مثل شعبي) فكلما تجهم وجهه وغامت مقلتاه.. تضيء الشاشة ضاحكة مستبشرة كأنها تسخر من عنائه. والمتلقي في واد آخر يتملى الحصيلة بسادية مغتفرة! سطورا سليقة ومعلومات دقيقة وصورا أنيقة “وإن وراء الأكمة ما وراءها”!
حين يتمرغ المسكين (كإمام القوم) تسقط مؤسسة بقضها وقضيضها لكونه كان العامل الوحيد بها، ولا تنهض من مكانها؛ فمن فيها تعودوا الدعة والانصراف لما يخصهم، والمبتدئون لا يُجْدُون في تلك الورطة، وغيرهم لا يغامر بالعمل في مكانه، فالسعيد من اتعظ بغيره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى