مقالات

في مهنة المتاعب (15)

محمدُّ سالم ابن جدُّ

من لوازم العمل الصحفي حيازة البطاقة المهنية لإثبات الانتساب وفتح ما استغلق من أبواب وطرق. ومنذ البدء كان العاملون في هذا المجال أخيارا في الغالب مع بعض الاستثناءات؛ فمنهم من يبتز المسؤولين وأصحاب المطاعم والناقلين.. وغيرهم، ببطاقة صدرت لتسهيل مهمته المهنية وينبغي اقتصار استخدامها على ذلك.
ومنذ عام 1991 خضع المجال الصحفي للتمييع بإرادة ورعاية على أعلى مستوى من الرسمية؛ فصار من العادي أن تجد “صحفيا” لا يستطيع تحرير خبر من سطرين، وإذا دعته الضرورة إلى مقال أو افتتاحية أو نحوها كتب أحد مقربيه بالنيابة عنه ووقع باسمه! وأكثر من ذلك مدير نشر أمي! (قد لا تصدقون، لكنها الحقيقة).
مع كثرة “الصحفيين” صار بإمكان كل من هب ودب إصدار بطاقة “صحفية” وختمها وتوقيعها بنفسه، لنفسه وللبائع المتجول والناقل.. إلخ، فالبطاقات الرسمية نادرة وقليل من يفرق بينها وبين غيرها. لذا كثرت البطاقات التي لا تحمل القيمة القانونية ولا المعنوية للبطاقة الصحفية الحقيقية وشاع استخدامها في مختلف المآرب.
ومن عهد شبابي وأنا أحمل بطاقة رسمية لا تبرح جيبي، ومع ذلك فكثيرا ما أتجنب استخدامها، أو أنساها وأعاني جراء الذهول عنها أو تركها بقصد؛ خصوصا حين أكون في حاجتي الشخصية. وقد أتذكرها أو أقرر استعمالها حين يجيء جندي متعجرف ترجف الأرض تحت حذائه الخشن كسلوكه، أو حدَثٌ غِرٌّ شاهرا بطاقة من النوع الشائع، وربما قال بنرجسية: Nous some presse فينهار الحاجز أمام “عاصفة في فنجان”. هنا أتذكر أني حامل بطاقة رسمية قديمة بتوقيع وزير الإعلام وختمه!
بيد أن من الأوقات التي أحمد غناء البطاقة الصحفية فيها ظروف الانقلابات وحظر التجول والمرور من الطرق المغلقة والأماكن المحروسة.. ونحو ذلك من الصعوبات التي يتبدد غيمها بمجرد استلالها.
يبقى القول إني لا أشكر على ما ألاقيه بسبب البطاقة الصحفية لشعوري بأنه احترام لورقة لا لحاملها، ومن أسعد أيامي المهنية أسبوعان من سنة 1992 أمضيتهما أعمل تحقيقات عن بعض محاظر الداخل، لم أحتج إلى بطاقتي المهنية مرة واحدة ولم يجر لها ذكر.. ففي تلك الأيام أحسست بأني مع بشر، وأتعامل مع البشر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى